للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس» (١).

والنظر الواضح يكشف هذا، فإنك لو كنت مريضا، فاتفق الأطباء على أشياء أنها نافعة لك، واختلفوا في شيء، فقال بعضهم: إنه سم قاتل، وقال بعضهم: لا نراه سما ولكنه ضار، وقال بعضهم: لا يتبين لنا أنه ضار، وقال بعض هؤلاء: بل لعله لا يخلو من نفع. أفلا يقضي عليك العقل إن كنت عاقلا بأن تجتنب ذاك الشيء؟! أو ليس من يأمرك ويلح عليك أن تصرف وقتك في تناول ذاك الشيء تاركا ما اتفقوا على نفعه بحقيق أن تعده ألد أعدائك؟! وتدبر في نفسك، أيصح من عاقل محب للإيمان خائف من الشرك أن يستحضر هذا المعنى ثم يصر على تلك البدع التي يخاف أن تكون شركا؟! أو ليس من يصر إنما يشهد على نفسه بأنه لا يبالي إذا وافق هواه أن يكون شركا؟

المطلب الثالث: الفقهيات، والاختلاف فيها إذا كان سببه غير الهوى أمره قريب، لأنه -كما مرت الإشارة إليه- لا يؤدي إلى أن يصير المسلمون فرقا متنازعة وشيعا متنابذة، ولا إلى إيثار الهوى على الهدى، وتقديم أقوال الأشياخ على حجج الله عز وجل، والالتجاء إلى تحريف معاني النصوص، وإذ كان المسلمون قد وقعوا في ذلك فإنما أوقعهم الهوى، فلا مخلص لهم منه إلا أن يستيقظ أهل العلم لأنفسهم فيناقشوها الحساب، ويكبحوها عن الغي،


(١) الترمذي (٤/ ٥٤٧/٢٤٥١) وقال: "هذا حديث حسن غريب". وابن ماجه (٢/ ١٤٠٩/٤٢١٥) والحاكم (٤/ ٣١٩) وقال: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي .. وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في غاية المرام (برقم ١٧٨) وقال: "وهذا عجب منه خاصة، فإن عبد الله بن يزيد وهو الدمشقي لم يوثقه أحد، بل قال الجوزجاني: "روى عن ابن عقيل أحاديث منكرة" ... وأورده الذهبي نفسه في الضعفاء وذكر قول الجوزجاني هذا. وقال الحافظ في التقريب: ضعيف".

<<  <  ج: ص:  >  >>