للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن ظهور هذا الدين الإسلامي -على فترة من تاريخ الإنسانية- كان حادثا من أعظم أحداثها، بل هو أعظم أحداثها، فقد جاء لإقامة الحق: ما كان منه وما سيكون، فكل حق يواجهه البشر في ائتلافهم واختلافهم، وفي معاملاتهم وأقضيتهم وأحكامهم، وفي تفكيرهم وبحوثهم ودراساتهم وأنظمتهم، وفي تعاونهم على ما فيه خيرهم ومصالحهم: فهو من الإسلام. وحسب الإسلام مكانة في تاريخ التشريع أن يسميه الله "دين الحق" {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} (١)، وكل ما وافق العدل والقسط فالإسلام يدعو أهله إلى أن يقوموا به، وأن يشهد كل واحد منهم بما يعلمه منه، وأن يعملوا جميعا على بسط سلطان العدل ونشر لوائه في دار الإسلام وفي سائر آفاق الأرض كاملا وافيا بأقصى ما يستطيعونه، ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم، فالحق والعدل وإقامتهما والشهادة بهما عنصر الإسلام الأول، وخلقه المقدم، والسمة التي يجب أن يتميز بها أهله في طيبة قلب وصفاء فطرة وطهارة نفس وإيثار لما فيه مرضاة الخالق وطمأنينة الخلق. والعدل في نظام الإسلام من التقوى، والتقوى ميزان التفاضل بين المسلمين، والله خبير بأهلها وبمن ينحرف عنها، لا تخفى عليه منهم خافية.

وهذه الصورة المشرقة لهذا الإسلام الجميل هي التي تولى خاتم رسل الله تربية أصحابه عليها، وإعدادهم ليخلفوه في دعوة الإنسانية إليها، ولم يودع - صلى الله عليه وسلم - هذه الدنيا ويغمض بصره وراء سجف بيت عائشة أم المؤمنين المطل على مسجده الشريف ليلتحق


(١) التوبة الآية (٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>