للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالرفيق الأعلى؛ إلا بعد أن أقر الله عينيه الكريمتين باجتماع الصفوة المختارة منهم صفوفا كالبنيان المرصوص، مسلمين أنفسهم وقلوبهم لله عز وجل في عبادته وطاعته، خلف خليفته فيهم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الذي قال فيه وفي صنوه عمر بن الخطاب أخوهما علي بن أبي طالب وهو يخطب على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر. وفي مثل لمح البصر -بعد فاجعة الإسلام والمسلمين بفراق أكرم خلق الله على الله- لم هؤلاء البررة الأخيار شعثهم في جزيرتهم المباركة، ووحدوا صفوفهم العامة للجهاد، كما وحدوا في أيام احتضار الرسول - صلى الله عليه وسلم - صفوفهم للصلاة، فسارت رايات أبي بكر متوجهة إلى العراق والشام حاملة أمانات الرسالة المحمدية إلى أمم الأرض أدناها فأدناها، وسرعان ما كافأهم الله على جهادهم الصادق بالنصر الموعود، فترددت أصداء دعوة "حي على الفلاح" في الآفاق التي خفقت فيها رايات قواد الخليفة الأول: أبي عبيدة، وخالد، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، وكان هؤلاء للشعوب التي اتصلوا بها معلمين ودعاة وأصحاب رسالة من الله ورسوله إلى البلاد التي عرفت أقدارهم؛ وفتحت أبوابها وقلوب أهلها لتعليمهم وتوجيههم. وبعد أن قرت عينا أبي بكر بنصر الله في بلاد الرافدين وربوع الشام اختاره الله لمجاورة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأخرى، كما اختاره لصحبته في الدنيا، فأخذ دفة القيادة في سفينة الإسلام خليفته أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وهو خير هذه الأمة بعد أبي بكر بشهادة أخيهما أبي الحسن رضي الله عنهم جميعا.

ومضت قافلة الإسلام في طريقها ترعاها عين الله التي لا تنام، فواصلت كتائب الدعوة المحمدية

<<  <  ج: ص:  >  >>