للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيرها إلى وادي النيل، ومنها إلى شمال إفريقية، كما توغلت أخواتها في مملكة كسرى إلى أقصى آفاقها، حتى إذا تآمرت على الدم العمري الشريف مكايد اليهودية والمجوسية، واختار الله إليه مثال العدالة في الأرض: يسر له مجاورة صاحبيه، فارتضى المسلمون للخلافة المحمدية عليهم أطيبهم نفسا وأرحمهم قلبا وأنداهم يدا وأحفظهم للقرآن وأصبرهم على بلاء الزمان: صهر نبيهم على كريمتيه، ولو كان له - صلى الله عليه وسلم - ابنة ثالثة لآثره بها، فكان عثمان لهؤلاء الصفوة البررة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخا مخلصا، ولأبنائهم أبا مشفقا، وكانت الأمة مدة خلافته في أرخى عيش وأسعد مجتمع، كما شهد بذلك عالمان من كبار التابعين: الحسن البصري وصنوه ابن سيرين، بينما كانت رايات ذي النورين بأيدي المجاهدين الأبطال من رجاله تخفق في آفاق قفقاسيا وما وراء الباب مما كان قواد الأكاسرة وأبطالهم لا يطمعون في الوصول إليه. وهكذا عرفت أمم المشرق وأمم المغرب هذا الإسلام من سيرة الصحابة وعدلهم، ورفقهم وحزمهم واستقامتهم على طريق الحق الذي قامت به السماوات والأرض، وبذلك تحقق فيهم قول صاحب الرسالة العظمى - صلى الله عليه وسلم -: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (١) ...

وهذا الحديث الشريف من أعلام نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الإسلام لم ير زمان سعادة وعزة واستقامة على الحق والخير كالذي رآه في زمان الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان،


(١) أخرجه بهذا اللفظ أبو نعيم في الحلية (٤/ ١٧٢) عن عمر بن الخطاب واستغربه. وقد صح الحديث بلفظ «خير الناس قرني ... » من حديث ابن مسعود أخرجه: أحمد (١/ ٣٣٤) والبخاري (٥/ ٣٢٤/٢٦٥٢) ومسلم (٤/ ١٩٦٣/٢٥٣٣ [٢١٢]) والترمذي (٥/ ٦٥٢/٣٨٥٩) والنسائي في الكبرى (٣/ ٤٩٤ - ٤٩٥/ ٦٠٣١) وابن ماجه (٢/ ٧٩١/٢٣٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>