الخاص والعام- لرجع عن فكره؛ على أن تأويله ليس بلازم لنا ما دام بين ظهرانينا من يحسن النظر في كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وأما طبعا؛ فلأن الطباع السليمة التي تعلم أن القبر مظهر من مظاهر الحزن والأسى والأسف، وموطن من مواطن الفناء والبلى والعظام النخرة والظلمة والانحلال والدود والحشرات، لا تروق في أنظارها تلك البناءات الضخمة، والقباب الفخمة، التي تمثل زهرة الحياة الدنيا وترغب في العيش بهذه الدار الفانية؛ دار الأنكاد والأحقاد والفساد والإفساد، وتقضي على زائرها بتوسيع الأمل، وتحمل البله والمغفلين والجهلاء على اعتقاد التأثير لأربابها بما تبقيه فخامتها وضخامتها من الأثر في نفوسهم.
والله لو أبصرت عيناك ما صنعت ... يد الزمان بهم والدود يفترس
لما انتفعت بعيش بعدهم أبدا ... أما هم من جنى الدنيا فقد يئسوا
حسب الإنسان العاقل من الوقوف على القبر أن يتذكر مآل نفسه، ويتعظ ويعتبر ويتهيأ للحلول في رمسه، ويقول:
يا بني الدنيا استريحوا ... سَيْرنا عنكم إلى الله
نحن قوم أين سرنا ... ونهجنا حسبنا الله (١)
- وقال تحت فصل:(من هي الفرقة الناجية؟): إن من له أدنى مسكة من العلم يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقسم بالله أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين
(١) ضرب نطاق الحصار على أصحاب نهاية الانكسار (ص.٦١ - ٦٣).