ادعاها أشخاص من طلاب الشهرة الدينية أو الدنيوية. فيهم صالح النية وخبيثها. ومن العسير معرفة صالحهم من طالحهم؛ إذ لا مميز قطعيا هناك؛ مما يوجب طرح دعاويهم جميعا وإلقاء ما أتوا به جملة وتفصيلا؛ استغناء بكتاب الله وسنة رسوله.
أما بعد: فطالما تنكبت -منذ عرفت طويتك، وخبرت هويتك- الطرق المؤدية للاجتماع بك، لا لقلي لك أو بغض فيك؛ إذ لست هناك، ولكن لما بين الفكرين من التضارب، وبين الرأيين من التباين؛ فبينما أراني متطلعا في سماء الحرية الصافية الأديم، الرائقة النسيم، متغلغلا ببصر البصيرة في سعة أجوائها، وترامي أرجائها، متنسما عطر أريحها، متشحا برد نسيجها؛ إذ بك ترسف في أغلال التقليد وسلاسل الجمود، معتقداً سلاسلها مخانق من لؤلؤ، وقيودها خلاخل من ذهب، ومع إبهاظ تلك لعاتقك، ونخر هذه لسوقك تضن بهما ضن البخيل بماله، والغيور بعياله، فأنى يطيب لنا اجتماع أو يحصل بيننا اتفاق؛ اللهم إلا إذا اجتمع الضدان، وائتلف النقيضان، وتساوى الطائر المحلِّق -حيث لا يخشى الطلب- بالمحبوس أسيرا -وإن في قفص من ذهب-، لهذا وذاك، كنت دائما أتحرى عدم لقياك، استغناء عن نفعك واتقاء لأذاك، حتى سقطت علينا بالأمس سقوط الجراد في ليلة أَحَلْت بياض أنسها إلى سواد، عند ذلك السميدع الأصيل إذ انجر بنا الحديث -والحديث شجون- إلى ذكر الطرق المحدثة في الإسلام، وما انبثق منها فيه من الأضاليل والأوهام. والانشقاق والاختلاف، والتزحلق عن مهيع الحق والانحراف، حتى تمزقت أوصاله وتلونت أحواله، وصارت أممه في فرقها شيعا، واتخذ كل منهم