للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسب هواه طريقا ومهيعا، تلك الوصمة التي وسم بها الدين، وأحدث بها التفريق بين جماعة المومنين، وتفوهت -تأثرا بما أثاره ذلك الحديث- بتلك الجملة التي أنزلتها منزلة كلمة التثليث وهي: "إن الإسلام بدون هذه الطرق خير منه بها"؛ فقمت وقد انتفخت أوداجك. وتصلبت أمشاجك. وقلت: إن ذلك القول ضلال، واعتقاده كفر، وتخيّله زندقة، والعمل به مخرقة. وشددت اللوم على من يحوم في حمى القوم، وطالبتني بالدليل على صحة جملتي، والحجة التي تثبت بها دعوتي، فاستدللت ولم أبعد، ورغما على إبراقك فلم أرعد؛ بأن الإسلام قبل تفريخ جراثيم هذه الطرق في جسمه، كانت أعظم دول الأرض ترتعد لذكر اسمه، وأنه بعد تسميمها لدمه، وسريان ذلك الدم المسموم في جميع أممه، تفرقت أجزاؤه، وسادته أعداؤه، وانفصمت عراه، وانحط من علاه، وتمزق أيدي سبا، وتمسك بالقشور وأعرض عن اللبا، وألفح روضاته الغناء إعصار فيه نار المحرقين فاحترقت، وطما على سدوده المتينة سيل الجهل فانخرقت، وإن لم تكن كل مصائبه من تلك الطرق؛ فإنها إحدى مصائبه الكبر، وفي تمسك دعاة العلم بأهدابها أفدح المصائب وأعظم العبر، وهذه طبيعة العمران؛ فإن الأمم إذا هرمت انحلت قواها العاقلة، وتسفلت فيها المدارك والعقول، وانحطت من أوج التمحيص والانتقاد إلى هاوية التقليد والخمول، حيث تستعبدها الأوهام والخرافات، باعتقاد سيدات وسادات، لهم التصرف في الكون قبضا وبسطا، ومنعا وإعطا، اعتقادا يتساوى فيه العالم والجاهل، والعالي والنازل، عاملين على استبدال الأعمال الصالحة بمضغ الألفاظ، مع بعدها عن مركز الانفعال بعد الإعقاب عن

<<  <  ج: ص:  >  >>