إن أبا حامد الغزالي -وكان ذكي الفؤاد- عندما وقع في المصيدة وأصبح مستهدفا للنقد اللاذع الذي استوجبه فقدان السند عن إبليس اللعين حاول التخلص بالجواب الآتي، ولكنه جواب بارد لا تسخنه إلا حرارة النقد كما يقول لدى مناقشته لمذهب الروافض وعقائدهم الباطلة:"في كفر بارد لا تسخنه إلا حرارة السيف" ولنصغي إليه، وهو يتساءل ويجيب في العبارات التالية: "فإن قلت: من أين عرف قائل هذا ما قاله إبليس وهو لم يشاهد إبليس، ولا اجتمع به، ولا حدثه بذلك؟.
فاعلم: أن أرباب القلوب يكاشفون بأسرار الملكوت، تارة على سبيل الإلهام: بأن يخطر لهم على سبيل الورود عليهم من حيث لا يعلمون، وتارة على سبيل الرؤيا الصادقة، وتارة في اليقظة، وعلى سبيل كشف المعاني بمشاهدة الأمثلة، كما يكون في المنام، وهذا على درجات، وهي من درجات النبوة العالية، كما أن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة.
فإياك أن يكون حظك من هذا العلم إنكار ما جاوز حد قصورك، ففيه هلك المتحذلقون من العلماء الزاعمون أنهم أحاطوا بعلوم العقول فالجهل خير من عقل يدعو إلى إنكار مثل هذه الأمور لأولياء الله تعالى (ومن أنكر ذلك للأولياء لزمه إنكار الأنبياء، وكان خارجا عن الدين بالكلية). (١)
ثم استرسل الخريصي رحمه الله يرد هذا الهراء.
(١) المتصوفة وبدعة الاحتفال بمولد النبي (ص.٣٣ - ٣٦).