للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كبار أئمتهم، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين وغيرهم، فإننا نعلم يقينا أن هؤلاء الأجلة كان يخطئ بعضهم بعضا، ويرد بعضهم على بعض، أفيقول عاقل: إن بعضهم كان يطعن في بعض، بل لقد صح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطأ أبا بكر رضي الله عنه في تأويله لرؤيا كان رآها رجل، فقال - صلى الله عليه وسلم - له: «أصبت بعضا وأخطأت بعضا» (١)، فهل طعن - صلى الله عليه وسلم - في أبي بكر بهذه الكلمة؟.

ومن عجيب تأثير هذا الوهم على أصحابه، أنه يصدهم عن اتباع السنة المخالفة لمذهبهم، لأن اتباعهم إياها معناه عندهم الطعن في الإمام، وأما اتباعهم إياه -ولو في خلاف السنة- فمعناه احترامه وتعظيمه، ولذلك فهم يصرون على تقليده فرارا من الطعن الموهوم.

ولقد نسي هؤلاء -ولا أقول: تناسوا- أنهم بسبب هذا الوهم وقعوا فيما هو شر مما منه فروا، فإنه لو قال لهم قائل: إذا كان الاتباع يدل على احترام المتبوع، ومخالفته تدل على الطعن فيه، فكيف أجزتم لأنفسكم مخالفة سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وترك اتباعها إلى اتباع إمام المذهب في خلاف السنة، وهو غير معصوم، والطعن فيه ليس كفرا؟ فلئن كان عندكم مخالفة الإمام تعتبر طعنا فيه، فمخالفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أظهر في كونها طعنا فيه، بل ذلك هو الكفر بعينه -والعياذ بالله منه- لو قال لهم ذلك قائل، لم يستطيعوا عليه جوابا، اللهم،


(١) أخرجه: أحمد (١/ ٢٣٦) والبخاري (١٢/ ٥٣٤/٧٠٤٦) ومسلم (٤/ ١٧٧٧ - ١٧٧٨/ ٢٢٦٩) وأبو داود (٣/ ٥٧٨ - ٥٧٩/ ٣٢٦٨) والترمذي (٤/ ٤٧٠ - ٤٧١/ ٢٢٩٣) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". وابن ماجه (٢/ ١٢٨٩ - ١٢٩٠/ ٣٩١٨). كلهم من طريق ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله أخبره أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يحدث أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>