للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرجى لقبول دعائه، وهذا أمر لا يمكن معرفته بالعقل، إذ إنه من الأمور الغيبية التي لا مجال للعقل في إدراكها، فلا بد فيه من النقل الصحيح الذي تقوم به الحجة، وهذا مما لا سبيل إليه البتة، فإن الأحاديث الواردة في التوسل به - صلى الله عليه وسلم - تنقسم إلى قسمين: صحيح، وضعيف.

أما الصحيح: فلا دليل فيه البتة على المدعى، مثل توسلهم به - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء (١)، وتوسل الأعمى به - صلى الله عليه وسلم - (٢)، فإنه توسل بدعائه - صلى الله عليه وسلم -، لا بجاهه ولا بذاته - صلى الله عليه وسلم -، ولما كان التوسل بدعائه - صلى الله عليه وسلم - بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن، كان بالتالي التوسل به - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته غير ممكن، وغير جائز.

ومما يدلك على هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما استسقوا في زمن عمر، توسلوا بعمه - صلى الله عليه وسلم - العباس، ولم يتوسلوا به - صلى الله عليه وسلم -، وما ذلك إلا لأنهم يعلمون معنى التوسل المشروع، وهو ما ذكرناه من التوسل بدعائه - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك توسلوا بعده - صلى الله عليه وسلم - بدعاء عمه، لأنه ممكن ومشروع، وكذلك لم ينقل أن أحدا من العميان توسل بدعاء ذلك الأعمى، ذلك لأن السر ليس في قول


(١) أحمد (٣/ ٢٧١) والبخاري (٢/ ٦٣٦ - ٦٣٧/ ١٠١٣) ومسلم (٢/ ٦١٢ - ٦١٣/ ٨٩٧) وأبو داود (١/ ٦٩٣ - ٦٩٤/ ١١٧٤) والنسائي (٣/ ١٧٧ - ١٧٨/ ١٥١٤) من حديث أنس.
(٢) أحمد (٤/ ١٣٨) والترمذي (٥/ ٥٣١/٣٥٧٨) وابن ماجه (١/ ٤٤١/١٣٨٥) والنسائي في الكبرى (٦/ ١٦٩/١٠٤٩٥) عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عثمان بن حنيف: أن رجلا ضرير البصر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ادع الله لي أن يعافيني، فقال: «إن شئت أخرت لك وهو خير، وإن شئت دعوت» فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: «اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة، يا محمد إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه في». وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث أبي جعفر وهو الخطمي". وصححه الحاكم (١/ ٣١٣) وقال: "على شرط الشيخين" ووافقه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>