للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمله الجنة» (١): واعلم أن هذا الحديث قد يشكل على بعض الناس، ويتوهم أنه مخالف لقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢)} (٢) ونحوها من الآيات والأحاديث الدالة على أن دخول الجنة بالعمل، وقد أجيب بأجوبة، أقربها إلى الصواب: أن الباء في قوله في الحديث: "بعمله" هي باء الثمنية، والباء في الآية باء السببية، أي أن العمل الصالح سبب لا بد منه لدخول الجنة، ولكنه ليس ثمنا لدخول الجنة، وما فيها من النعيم المقيم والدرجات. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بعض فتاويه: "ولهذا قال بعضهم: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون سببا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب، فإن المطر إذا نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كافيا في حصول النبات، بل لا بد من ريح مربية بإذن الله، ولا بد من صرف الانتفاء عنه، فلا بد من تمام الشروط وزوال الموانع، وكل ذلك بقضاء الله وقدره. وكذلك الولد لا يولد بمجرد إنزال الماء في الفرج، بل كم ممن أنزل ولم يولد له، بل لا بد من أن الله شاء خلقه فتحبل المرأة وتربيه في الرحم وسائر ما يتم به خلقه من الشروط وزوال الموانع.

وكذلك أمر الآخرة ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة، بل هي


(١) أحمد (٢/ ٢٦٤) والبخاري (١١/ ٣٥٥/٦٤٦٣) ومسلم (٤/ ٢١٧٠/٢٨١٦ (٧٥)) وابن ماجه (٢/ ١٤٠٥/٤٢٠١) عن أبي هريرة. وفي الباب عن عائشة وجابر وأبي سعيد وغيرهم.
(٢) الزخرف الآية (٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>