للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما. (١)

وايم الله إن كنا لنلتقط السنن من أهل الفقه والثقة، ونتعلمها شبيها بتعليمنا آي القرآن، وما برح من أدركنا من أهل الفضل والفقه من خيار الناس يعيبون أهل الجدل والتنقيب ومن أخذ بالرأي أشد العيب، وينهوننا عن لقائهم ومجالستهم، ويحذروننا مقاربتهم أشد التحذير، ويخبروننا أنهم أهل ضلال وتحريف، بتأويل كتاب الله وسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كره المسائل وناحية التنقيب والبحث عن الأمور، وزجر عن ذلك وحذره المسلمين في غير موطن حتى كان من قوله - صلى الله عليه وسلم - كراهية ذلك أن قال: "ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك الذين من قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" (٢). (٣)

فأي أمر أكف لمن يعقل عن التنقيب من هذا؟ ولم يبلغ الناس يوم قيل لهم هذا القول من الكشف عن الأمور جزءا من مائة جزء مما بلغوا اليوم، وهل هلك أهل الأهواء وخالفوا الحق إلا بأخذهم بالجدل، والتفكير في دينهم، فهم كل يوم على دين ضلال وشبهة جديدة لا يقيمون على دين، وإن أعجبهم إلا نقلهم الجدل والتفكير إلى دين سواه، ولو لزموا السنن وأمر


(١) الفقيه والمتفقه (١/ ٣٩٣ - ٣٩٤).
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ٢٤٧) والبخاري (١٣/ ٣١٢/٧٢٨٨) ومسلم (٢/ ٩٧٥/١٣٣٧) والترمذي (٥/ ٤٥ - ٤٦/ ٢٦٧٩) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". والنسائي (٥/ ١١٦ - ١١٧/ ٢٦١٨) وابن ماجه (١/ ٣/٢) كلهم من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بألفاظ متقاربة.
(٣) هذا الجزء من كلام أبي الزناد قد أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (٢/ ٩٤٩ - ٩٥٠)، وانظر الاعتصام (٢/ ٨٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>