أقول: إن الطوافة ليست هي تلقين الحاج الأدعية التي يتلوها في طوافه بالبيت فقط، فهذا مظهر من مظاهرها، ولكن مهنة الطوافة أوسع من ذلك كثيرًا، ولي في هذا الموضوع رأي قديم توصلت إليه بعد تفكير ولا بأس من إثباته هنا:
لقد كانت مكة المكرمة منذ ظهر الإِسلام، ومنذ أن فرض الله فريضة الحج مكانًا تهوى إليه أفئدة المسلمين فيفدون إليه حاجين، ولما خَصَّ الله به البيت الحرام كان للإِقامة بمكة فضلها العظيم وثوابها الجزيل، فكان الحجاج يفدون إليها والبعض منهم يتخلف للإِقامة بها، كما كان البعض يستطيب الإِقامة فيها لطلب العلم، فلقد كانت مكة دائمًا منهلًا من مناهل العلم يفد إليها الناس من شتى أنحاء الأرض، ويحدثنا التاريخ عن حلقة عبد الله بن العباس - رضى الله عنه - في المسجد الحرام حيث يضرب إليه الناس آباط الإِبل يسألونه ويتفقهون على يديه، وجاءت بعد حلقة ابن العباس حلقات أخرى للعلماء في مكة والمدينة أمثال عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن المسيب وابن عطاء، وربيعة الرأي وغيرهم، ثم توالت الحلقات لأئمة الفقه والحديث عبر العصور، ولقد أدركت مكة في منتصف القرن الهجرى الرابع عشر وهي تستقبل طلبة العلم ص من جاوا وأفريقيا، ومن الهند، كان المسلمون يبعثون أبناءهم إلى مكة لتلقى العلم على يد علماء المسجد الحرام فيقضون الأعوام العديدة في طلب العلم، ثم يعودون إلى بلادهم لينشروا هذا العلم في أوطانهم، ولقد كانت المدرسة الصولتية في مكة تقوم بتعليم طلبة المسلمين الهنود في مكة ليعودوا إلى الهند فينشروا