والإِعزاز، يلتمسون فيهم القدوة الحسنة ويغدقون عليهم الهدايا العظيمة، وخاصة إذا كان القادم رجل علم وفضل، وكان حميد السيرة في أعماله وسلوكه، ولقد تعوَّد الناس في الحجاز كلما ضاقت بهم الحال، أو نبا بهم المقام أن يرحلوا إلى الديار الإِسلامية، يلتمسون فضل الله تعالى عليهم في هذه الرحلات، فيجنون منها أطيب الثمر، وأحسن الأثر.
ولقد كان من عادة المطوفين خاصة إذا ما انتهى الحج وانقضت أيامه أن يرحلوا إلى البلاد التي يرد منها حجاجهم، توثيقًا لعلائقهم بالحجاج وبالراغبين في القدوم إلى الحج، وكانوا يصطحبون معهم الهدايا التي يحبها الحجاج لتقديمها إلى كبار الرجال، ويتلقون بدورهم الهدايا والألطاف، بل إن بعض المطوفين كان يصهر إلى أهل الديار فيتزوجون من نسائها، وكان الناس هناك يقبلون على تزويجهم راضين لأنهم من أهل البلاد المقدسة.
ولكن النظرة إلى القادم من الحجاز ترتبط دائما بتصرفاته وحسن سلوكه، فإذا أخطأ كان خطؤه عظيمًا وكان حسابه على هذا الخطأ أعظم، ولهذا فإن الذين كانوا يرحلون إلى البلاد الإِسلامية ينظر إليهم كممثلين لبلادهم المقدسة والويل كل الويل لهم لو انحرفوا أو زلُّوا فإن السخط عليهم وعلى تصرفاتهم يكون عظيمًا، هكذا كان الحال في الماضي، حينما كانت البلاد الإِسلامية بلاد الخير والبركة، وحينما كان الحجاز يعتمد في حياته على الحج والحجاج، وقد دار الفلك دورته، وأصبح الحجاز بل أصبحت المملكة العربية السعودية مركز الثقل الاقتصادي في العالم الإِسلامي، وأصبحت الدولة تنفق على الحج ومرافقه آلاف الملايين من الريالات، فلم يَعُدْ أهل هذه البلاد بحاجة إلى السفر