للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (١).

كنت كلما تلوت هاتين الآيتين الكريمتين الكريمتين أو سمعتهما وددت أن أعرف كيف يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ورجعت إلى كتب المفسرين قديمهم وحديثهم فوجدت أنهم يفسرون خروج الحي من الميت بالحبة من القمح تغرس في الأرض فتنبت الشجرة، والنخلة من النواة، والبيضة من الدجاجة، والمؤمن من الكافر (٢).

وكنت أقول في نفسي أن المعنى أعمق وأكبر من ذلك مع إكباري لسادتنا العلماء الأجلاء.

وظل المعنى يدور في ذهني زمنًا، وأخيرًا تذكرت وأنا أفكر في الأمر أن التفسير قائم بين أيدينا في كل يوم … ؟

ألا يؤخذ القلب من الميت فيزرع في جسم الحي، فيمشي به بين الناس … ؟ ألا تؤخذ الأعضاء الأخرى من الموتى فتزرع في أجسام الأحياء، أليست عمليات زراعة القلوب والأعين، والكلى، والكبد، عمليات يومية تجري في مستشفيات الدنيا كلها كل يوم بل كل ساعة أليس هذا هو التفسير لإخراج الحي من الميت، وإخراج الميت من الحي … ؟

تبارك الله وتعالى ما أعظم كتابه، وما أعجب آياته، وما أجلَّ معجزاته … ؟

أن القرآن الكريم كما ذكرت كتاب معجز تتجدد آياته مع كرِّ الزمان، فيظهر له في كل زمان معنى لم يكن معروفًا للناس في زمان سابق، بل أن كرّ الأيام يزيد هذه المعاني جلاءًا، ولقد توصل الطب بقدرة الله تعالى إلى استبدال الأعضاء التالفة في جسم الإنسان الحي بأعضاء من أجسام الموتى، فكان هذا التفسير أكثر جلاءًا ووضوحًا، ولم يك هذا التفسير ميسورًا في الزمن السابق لتوصل الطب إلى هذه الإنجازات، ففسره المفسرون بما ذكرنا من خروج الزرع من الحبة والبيضة من الدجاجة، مما أشرنا إليه قبل، ولقد أشرت إلى هذا المعنى في بعض شعري حيث قلت:

يمضي الزمان ويبقى سر معجزه … سَحَرَ العقول تقرَّاهُ الالبَّاءُ

في كل يوم له معنى يجدِّدُه … كرَّ الزمان وتبقى منه أشياءُ

ولا أريد أن أطيل في هذا المعنى ولكني أرجو أن يوفقني الله تعالى إلى التأمل في بعض آيات القرآن الكريم، وأن يهديني إلى معانيها وأسرارها، ويوفقني إلى كتابة ما يهديني الله إليه وإذاعته للقارئين.


(١) سورة آل عمران الآيات ٢٦، ٢٧.
(٢) انظر موجز تفسير المفسرين في صفوة التفاسير ص ١٩٤/ ١٩٥ الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>