كما مارس أحمد جمال نظم الشعر في بداية حياته، مارس كتابة القصة فصدر له وهو كذلك في الثالثة والعشرين من العمر كتابه القصصي سعد قال لي:
انصرف أحمد جمال عن الشعر وعن القصة، وغيرهما من فنون الأدب ليتفرغ للكتابة عن القرآن الكريم بعد أن حفظه، وتلقَّى تفسيره في المسجد الحرام، ثم عكف على دراسة كتب المفسرين، فألمَّ بآرائهم، وأضاف إليها اجتهاداته الخاصة فظهرت مؤلفاته الأولى، "على مائدة القرآن" وهو دون الثلاثين من العمر، ثم انتهى به الأمر أن يُختار مدرسًا لمادة تفسير القرآن الكريم في جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
وكان قد سبق اختياره مدرسًا للثقافة الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز حين تأسيسها عام ١٣٨٧، وهو في الرابعة والأربعين من العمر.
وأود أن أقف قليلًا مع القارئ لنرى كيف اختير أحمد جمال مدرسًا في جامعتين من أكبر جامعات المملكة ومؤهله الدراسي الشهادة الابتدائية، ودراسة عام واحد في المعهد العلمي السعودي، وبتعبيرًا آخر وهو متخرج من السنة الأولى الإعدادية، كما هو الاصطلاح في الوقت الحاضر … ؟
وأجيب على هذا السؤال بتساؤل آخر: كيف كان علماء المسلمين الذي نبغوا في شتى فنون العلم والأدب وألفوا فيها المؤلفات العظيمة التي لا زالت تتدارسها الأجيال جيلًا بعد جيل … ؟
هل كانت هناك جامعات يدرسون فيها ويقدمون فيها الرسائل التي تمنح الماجستير والدكتوراة … ؟
لم يكن شيء من هذا ولا ذاك كما هو معلوم، ولكن كان هناك أساتذة يتلقون العلم على أيديهم، وكانوا إلى جانب هؤلاء الأساتيذ يقرأون ويبحثون، يهبون أنفسهم للعلم، ويفرغون أنفسهم لتحصيله، فإذا بلغ الواحد منهم الحدَّ الذي يرى فيه مشايخه أنه تأهَّل لتعليم الناس أجازوه، فجلس يعلِّم كما تعلَّم.
ولكن أحمد جمال إذا استثنينا دراسته على السيد علوي المالكي يرحمه الله في المسجد الحرام، فإنه لم يتلق العلم عن المشايخ وإنما تلقاه عن أئمة المفسرين والفقهاء فقرأ كتبهم وأطال النظر فيها، وأضاف إليها ما هداه الله إليه من آراء كشف عنها العلم، أو ظهر لها معانٍ جديدة مع تغير الزمان، أن القرآن الكريم كتاب معجز بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وفي آياته الكريمات من المعجزات ما يظهر مع توالي العصور، وإني أقص هنا ما حدث لي شخصيًا مع آية من آيات الكتاب العظيم، كنت كلما تلوت قوله تعالى في سورة آل عمران: