كما أنني لم أتعرض للحوادث السياسية التي خصَّص الغازي لها أبوابًا كثيرة لأن الحديث عنها ليس مكانه هذه الترجمة، ولكنها ستكون مصدرًا هامًا لمن يرغب الكتابة عن تاريخ الحجاز السياسي عبر القرون.
فقد جمع الغازي في إفادة الأنام الكثير من أخبار الحوادث السياسية، ولا شك عندي أنه كان أحد المصادر الهامة للأستاذ أحمد السباعي في كتابه تاريخ مكة.
هناك مسألة أخيرة لابد من ذكرها ..
كان الغازي حريصًا على أن يسجل كل ما يصل إليه علمه من تاريخ مكة وغيرها من البلاد العربية، وكان في نفس الوقت شديد الحرص على أن يظلَّ كتابه هذا مخطوطًا لا يُطبع ولا يُتداول بين الناس.
رأيت هذا مسجلًا في النسخة التي تفضل بإهدائها إليَّ صديقنا العلامة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، وهي مصورة عن النسخة المخطوطة التي اشتراها كبير جدة الشيخ/ محمد نصيف من الغازي، والتي ذكر في جميع أجزائها حرص المؤلف الشديد على عدم سماحه بطبعها، وكان الشيخ محمد نصيف يرحمه الله يؤكد تعهده للمؤلف بذلك.
وعلى أي حال فإن رغبة المؤلف قد احترمت حتى الآن.
ولا شك عندي أن الدافع للشيخ الغازي على إبقاء كتابه مخطوطا، وعدم تداوله أن الرجل تحدث عن أحداث كثيرة في أزمان مختلفة فهو من مواليد عام ١٢٩١، وقد عاصر الأحداث الكثيرة التي وقعت في مكة خاصة، وفي الحجاز والعالم من حوله عامة، عاصر العثمانيين، وأمراء الأشراف في العهود العثمانية، كما عاصر الدولة الهاشمية في عهد الملك حسين بن علي وابنه الملك علي بن الحسين، وعاصر كذلك الدولة السعودية من بداية عهدها في الحجاز إلى أن توفاه الله سنة ١٣٦٥ للهجرة (١) وقد ظل الرجل يواصل الكتابة طيلة حياته، حتى استوى له هذا الكتاب الموسوعي العجيب، ولا شك عندي أن الرجل خشى أن يكون في بعض ما كتبه ودوَّنه ما لا يرضى عنه البعض من الناس، فآثر السلامة، وأصرَّ على أن يبقي ما كتبه مخطوطًا لا تصل إليه الأيدي والأبصار، ولا شك عندي أنه لولم يثق ثقة تامة بالشيخ محمد نصيف لما قدَّم إليه كتابه أو باعه له، فقد قال الشيخ/ محمد نصيف أن الكتاب مملوك له، كتب ذلك في مقدمة المجلد الأول بخطه الذي أعرفه جيدا، وفي الأجزاء الأخرى.
وفي رأيي أن الكتاب يحتوي على كل ما يتعلق بتاريخ مكة عبر القرون، وهو جدير بأن ينشر في أجزاء متسلسلة يحمل كل جزء منها موضوعا خاصًا، وحبذا لو تكلفت إحدى الجامعات بتحقيقه والتعليق عليه من قبل رجال متخصصين، وطبعه ونشره.
فإن الكتاب يعتبر مصدرًا هامًا من مصادر تاريخ مكة المكرمة عبر القرون.
(١) التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم مجلد ١ ص ٢٢/ ٢٣.