أعمدة حديدية متقنة الصنعة، وذلك في عهد تولي الشيخ/ عبد الرؤوف الصبان أمانة العاصمة في مكة المكرمة، وذكرت ذلك في أعلام الحجاز وأنقل هنا بعض ما كتبته في ذلك.
كانت المسعى في بعض أجزائها مكشوفة تخترقها الشمس، فكان الناس يتحاشون السعي في أوقات الحرارة، ويؤدون نسكهم بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العصر أو في الليل في أوقات الصيف، وكان القسم الآخر مسقوفًا بسقف من الخشب كئيب المنظر، أن حمى من حرِّ الشمس فهو لا يحمي من المطر في الشتاء … الخ.
ثم قلت: تقدم الشيخ/ عبد الرؤوف الصبان إلى المسؤولين بإكمال تجميل المسعى، وذلك بإزالة السقف القديم المتآكل الكئيب المنظر بسقف جميل حديث مرتفع قائم على أعمدة حديدية، وكان هذا السقف مع رصف أرض المسعى وتبليطه أول تحسين أدخل على شارع المسعى في التاريخ أن صح هذا التعبير إلى أن تم العمل العظيم الكامل بإدخال المسعى نفسه كاملًا في الحرم الشريف في التوسعة السعودية كما هو بوضعه الحاضر (١).
وعلى ذكر المسعى فقد أورد الشيخ/ الغازي رواية عن حادثة وقعت في مكة المكرمة في زمن الملك قايتباي سلطان مصر، وكان له تابع من التجار مقرَّب من قايتباي أرسله السلطان إلى مكة ليدير أمور تجارته فيها. وليقوم له بتعمير مدرسة باسمه، كما أمره بإجراء بعض العمارة في المسجد النبوي الشريف، وبناء مدرسة له بها، وإجراء العين الزرقاء إلى المدينة المنورة.
ذكر الغازي أن هذا التاجر واسمه الخواجة شمس الدين بن الزمن استأجر ميضأة كانت بين الميلين الأخضرين عمَّرها السلطان شعبان بن الناصر حسن بن قلاوون، فقام شمس الدين هذا بعد استئجارها بهدمها وأراد إنشاء رباط له في مكانها، وأدخل مقدار ثلاثة أذرع في أرض المسعى وباشر بحفر الأساس لبناء الرباط المذكور، ولكنَّ قاضي القضاة بمكة برهان الدين بن علي بن ظهيرة الشافعي منعه من ذلك فلم يمتنع، فجمع القاضي أئمة علماء مكة وذهب بنفسه إلى المسعى، وذهب معه العلماء وقاموا باتخاذ محضر أثبتوا فيه الاعتداء على أرض المسعى، وأوقفوا العمل في البناء، ولكن التاجر شمس الدين لم يستسلم لذلك، واستصدر أمرًا من السلطان قايتباي بإتمام البناء وعزل القاضي ابن ظهيرة، وأمر أمير الحاج المصرى في ذلك العام، يَشْبَك الجمَّال باستئناف البناء، ووقف بنفسه ليلًا على المكان وأمروا البنائين بالعمل إلى أن صعد البناء على وجه الأرض، وجعل ابن الزمن بناءه هذا رباطًا وسبيلًا وبنى في جانبه دارًا، وصَغَّر الميضأة وجعل لها بابا من سوق الليل وكمان ذلك في سنة ثمانمائة وخمس وسبعين، ويعلق مؤرخ مكة الذي نقل عنه الغازي هذه القصة فيقول:
ويا لله العجب من ابن الزمن وما ذكرناه عن فضله وخيرته، وكيف ارتكب هذا الجرم
(١) انظر تفصيل ذلك في أعلام الحجاز ج ١ ص ١٠٩/ ١١١.