حسن سيرها فتمت تصفيتها، وعاد الشيخ محمد الطويل إلى جدة وقد خلا من كل عمل حكومى أو أهلى، ولكنه أشغل نفسه بخدمة الناس، فقد فتح بيته لاستقبال أصحاب الحاجات وخاصة من الأرامل الضعيفات فكان بيته يؤوى الكثيرات منهن، وكان يستقل سيارته كل صباح إلى مختلف الدوائر الحكومية ليقضى حوائج الناس، فكان هو لسان من لا يستطيعون إيصال أصواتهم إلى رؤساء الدوائر من عائلة فقدت عائلها وتعثرت أوراق المتوفى بين أدراج الوظفين أو بين براثن الروتين وكثيرا ما سعى إلى إطلاق السجين وإغاثة الملهوف، أما الأرامل الضعيفات فقد نصب من نفسه مدافعا عنهن وكثيرا ما تحول بيته إلى محكمة صغيرة يستعين فيها بمن يختار من الناس فيحل الكثير من المشكلات العائلية المستعصية بإصلاح ذات البين أو الفراق بإِحسان، وكان يستخدم ماله الخاص في هذا السبيل، حتى أصبحت هذه الشؤون مشغلة له طيلة النهار وصدرا من الليل، وحتى أصبح من المعتاد أن يرى ضحى كل يوم وهو يؤم الدوائر الحكومية فينجز أمور الناس ويقضى حوائجهم حيث كان يقابل دائما بالترحيب والإكبار.
ونشب المرض العضال في دم الرجل الكبير فتوجه للاستشفاء بمدينة فينا بالنمسا وصاحبه إلى هناك بعض محبيه وأدركته المنيه غريبا عن وطنه فقد صرعه الداء ونعته الصحافة فتدفق الناس على منزله يعزون ابنه الأستاذ يوسف الطويل وبنتيه السيدتين نور وانجى الطويل وطال انتظار الناس لوصول الجثمان فكانوا يترددون يوميا للاستفسار عن موضد وصوله مما اضطر ابنه الأستاذ يوسف الطويل إلى نشر ما يرده من أنباء في الصحف يوميا وأخيرا وصل الجثمان وكان أهل جدة جميعا يشتركون في تشييع الرجل العظيم مما جعلهم يصلون عليه في الخلاء أمام