للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جادة إذا صح هذا التعبير فالرجل كان متمكنا من العلوم التي يدرسها فيشرحها شرحا جيدا ويفيض في هذا الشرح ويوجه الأسئلة إلى بعض الطلاب ليعرف مدى استيعابهم لما ألقى إليهم، وقد يكون كل هذا الذى ذكرت من الأمور التي يتميز بها كثير من الأساتذة ولكن الظاهرة الفريدة التي تميز بها محمد جميل حسن عن غيره من المدرسين أنه كان يلقى الدروس الوطنية على طلابه فيعرفهم بتاريخ بلادهم وأمجادها وما يجب أن يفعلوه لاسترجاع ما سلب وإعادة ما اغتصب، ولم يكن الرجل مدرس تاريخ ولكنه كان مدرس جغرافيا "علم تقويم البلدان" وكنا نتلقى هذا العلم على أيدى مدرسين قبله وبعده فكان حديثهم منحصرا في تقسيم البحار والأنهار والجبال والوديان وحدود الممالك والدول، ولكن محمد جميل حسن كان نمطا آخر غير هذا.

كانت الخرائط الجغرافية معلقة في الجدار أمام التلاميذ وكان الأستاذ محمد جميل حسن يقف أمام هذه الخرائط فيتحدث الحديث المعتاد عن تقسيم البلاد بحارها وأنهارها وسهولها وجبالها والقارات وحدودها وما إلى ذلك، ولكنه سرعان ما يدخل في الحديث التاريخى الذى يصل به إلى دروس الوطنية التي خالطت قلبه وملأت شعوره وجوارحه.

أذكار أنه كان أول من حدثنا عن فلسطين وكان هذا في النصف الأول من الأربعينات وكانت تحت الانتداب الإِنجليزى ولم يكن اليهود فيها ألا أقلية ولكن أطماعهم فيها كانت معروفة فكان يضع يده على موضع فلسطين في الخريطة ويتحدث عن تاريخها وأطماع اليهود فيها ويقول هذه القطعة السليبة من بلاد العرب لابد أن تعاد إلى أهلها، هذا الجزء الغالى من أرضنا الحبيبة تتكالب عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>