بعد ذلك تمحيص هذه الأخبار سواء كانت مروية أو مكتوبة وترجيح الراجح منها، والإشارة إلى المشكوك فيه، وتحقيق ما في الوسع تحقيقه، ولقد كان الشيخ حسين باسلامة مؤرخا أمينا لأنه أجهد نفسه في استخلاص هذه الحوادث والأخبار من مصادرها الكثيرة المتفرقة ثم في تحقيقها والتعليق عليها، كما قام بعمل مشكور في بعض هذه التحقيقات الخاصة بذرع المسجد الحرام وذرع شارع المسعي وغيرهما، ولا أكتم القارئ أنني مولع بهذه المباحث التاريخية وخاصة ما يتعلق منها بالمسجد الحرام والكعبة المعظمة والمسجد النبوي الشريف والمشاعر العظيمة التي خص الله تعالى بلادنا بها، وكثيرا ما كنت أسجل المعلومات التي أصل إليها في قراءاتى، لهذا فإن سرورى بكتاب تاريخ عمارة المسجد الحرام وهو بالصفة التي ذكرتها لا يعدله له سرور.
أن الشيخ حسين باسلامة قد سد فراغا عظيما بكتابه القيم هذا وحبذا لو توفر من المؤرخين من يقوم بإكمال ما بدأ به فيؤرخ لعمارة المسجد الحرام والكعبة المعظمة من منتصف القرن الرابع عشر الهجرى حيث تمت العمارة السعودية العظيمة للمسجد الحرام والترميم للكعبة المعظمة في السبعينات والثمانينات من هذا القرن ليكتمل تاريخ عمارة أقدس بيت على وجه الكرة الأرضية منذ بدء الخليقة وحتى آخر أيام الزمان.
ولا يفوتنى أن أذكر أن الكتاب مزين بالصور الفوتوغرافية وبعض هذه الصور بل معظمها أصبح نادرا لأنَّ التغيير الذى أحدثته العمارة السعودية أبدل الصور القديمة بصور حديثة وحبذا لو أن العناية بهذه الصور كانت أفضل مما ظهرت عليه، كما أن الكتاب يخلو من الخريطة أو الخرائط التي توضح تطور الزيادة في مساحة المسجد الحرام، وكان المؤلف دائما يرجع القارئ إليها ولكن الطبعة التي بين يدى كانت خالية من هذه الخريطة، وعلى أي حال فهذه الأمور في الوسع تدراكها ليكون العمل تاما وسبحان من تفرد بالكمال.