التجار أو أي ثري لا يلقى في المخازن حتى لا يفرق بينه وبين الحديد، ولقد أدركت الناس يبنون الغرف السرية في بيوتهم أو متاجرهم ليودعوا بها ما يخشون عليه ولكن الحقيقة التي يمكن استخلاصها من رواية ابن المجاور أن حصار الأعراب والبادية لمدينة جدة طمعا في ثروات أهلها وعدم اطمئنان الناس إلى وجود الحماية الكافية لهم تجاه هذا الغزو هي التي دفعتهم إلى الرحيل بأولادهم وثرواتهم هذا إذا صحت الرواية وليس هناك ما يمنع صحتها.
وذكر ابن المجاور كذلك شيئا عن الرسوم التي كانت مفروضة على الحجاج المغاربة والتى تستوفى منهم بأمر والي مكة المكرمة كما ذكر أن بعض الحجاج الذين لم يستطيعوا دفع الرسوم جرى إيقافهم في جزيرة قريبة من جدة (١).
أما الرحالة الشهير ابن بطوطه الذى قدم إلى الحج بعد قرن من قدوم ابن المجاور لها في القرن الثامن الهجرى فيقدم لنا وصفا يشبه وصف ابن جبير فيذكر أن سكان المدينة قليل بحيث لا يجتمع النصاب لصلاة الجمعة فسبحان مغير الأحوال.
ويعلل المؤلف هذا الانحدار المؤسي الذي آلت إليه أحوال جدة إلى اضطراب الأحوال السياسية في العالم الإسلامي فالأندلس يتقاسمها المسيحيون وبنو نصر، والصوماليون الوثنيون انتزعوا الساحل المناوح لمدينة جدة، والحجاز نفسه كان طعمة سائغة لأطماع ونزوات أمرائه الأشراف وكانوا شيعا ذوى أهواء متفرقة، والبادية في الحجاز تعيث فسادا في الأرض بدون رادع أو زاجر، ويد السلاطين خارج الحجاز قاصرة عن أن تمتد إليهم لإعادة استقرارا الأمن إلى ربوعه، فلا غرو أن يهبط كما يقول المؤلف مستوى التجارة البحرية في البحرين الأحمر والأبيض الذين تعتمد عليهما تجارة جدة في تقدمها وازدهارها، وهكذا فإننا نرى أن فقدان الأمن في المدينة بسبب تنازع وتسلط البادية وأطماعها أدخل الرعب