في هذه المتاهات والمبالغات، وكانت محاولة الخروج على هذا النمط تعتبر مغامرة تعرض صاحبها للمتاعب وربما ألصقت به التهم، فالإنسان عدو ما يجهل.
وكان السيد عبيد مدني رحمه الله قد تمكن من اللغة والنحو بما درسه من روائع الأدب القديم شعره ونثره سواء على يد شيخه الطيب الأنصاري أو على يد صديق والده الشيخ محمد العمري وكان شاعرا مجيدا كما يصفه الأستاذ عبد القدوس ويبدو أنه كان على اطلاع واسع على هذه الروائع من الشعر القديم، وكان هناك رافدا آخر أسهم في تكوين الحاسة الأدبية لدى السيد عبيد، وهذا الرافد يتمثل في المكتبة الحافلة التي ورثها عن والده السيد عبد الله مدني والتى كانت تضم بين جوانبها الكثير من المؤلفات الحديثة في ذلك العهد، مثل دائرة المعارف للأستاذ فريد وجدى، ومؤلفات الأديب المفتن مصطفى لطفي المنفلوطي صاحب النظرات والعبرات والفضيلة والبعث إلى جانب دواوين شوقي وحافظ وسامي البارودي وجميل صدقى الزهاوى من شعراء ذلك العصر المبرزين.
نهل الشاب عبيد من هذه المناهل العذبة فتنسم ذهنه منها نسيم الحرية وانتعشت نفسه بهذا الأريج الطيب من عطور الثقافة والفن، شعرا رائعا، ونثرا رائقا، ومعاني جميلة واضحة لا تتعثر بين قوافي السجع ولا تتسربل بسرابيل الجناس والبديع، ولا يطغى اللفظ على المعنى، وأراد الشاب عبيد مدني أن يكتب كما يكتب هؤلاء الكتاب الذين قرأ أدبهم وأن ينظم الشعر كما نظمه هؤلاء الشعراء، وبدأت محاولاته على استحياء وحذر، الاستحياء من أن يكون ما يكتب وما ينظم لا يصل إلى الجودة التي ينشدها، والحذر من أن تلصق به تهمة الفرمسونية والخروج عن المألوف، والفرمسونية هذه كما وصفها الأستاذ عبد القدوس وكما أدركنا آثارها في مطلع الشباب هي الانحراف عن جادة الدين، فقد ربط الجامدون بين كل تغيير في أسلوب الكتابة والشعر وبين البعد عن الدين وهو سلاح كان يشهره الجامدون على الراغبين في التجديد وأراد الشاب عبيد أن يشرك صديقه وزميله في حلقة الشيخ الأنصاري فيما يقرأ ليكون هذا سبيلا إلى إشراكه معه فيما يكتب وينظم،