للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأسرَّ إلى زميله عبد القدوس بما يريد ولكن عبد القدوس لم يتقبل هذه الدعوة بادئ بدء لأنه لم يكن قادرا على تقبل هذا الجديد الذى لم تتفتح نفسه له، ولأنه كان لا يزال يعيش فيما ألف واعتاد، ولكن هذا الإحجام ما لبث أن تحول إلى تقبل على حذر ثم إلى استمتاع بما يقرأ ويستمع، ثم إلى إقدام فكان هو المصلي كما يصف نفسه في ريادة الأدب الحديث بالمدينة المنورة وكان المجلي هو صاحب هذه الترجمة السيد عبيد مدني رحمه الله.

لم يكن في المدينة حتى ذلك الوقت صحيفة واحدة تنقل إلى الناس ما ينتجه الأدباء والشعراء وكانت هناك الوسيلة الوحيدة التي درج عليها الناس قبل ظهور المطبعة وهي تداول ما يكتب بين الناس فإن كان الناس بعجبون بما يقرأون كثر تداول هذا الأثر وانتشاره وانتشر ذكر صاحب هذا الأثر بين الناس وإن كان هذا الأثر يتنافر مع ما ألف الناس كان هذا ادعى إلى حرص الناس على تداوله والتشهير بصاحبه، وربما انقسم الناس في أمره بين فادح ومادح وكل هذا مدعاة لانتشارا هذا الجديد بين الناس.

ومما تحتفظ به الذاكرة من ذلك العهد أن شاعرا مجهولا نظم قصيدة هجاء في إحدى الشخصيات الشهيرة بمدينة جدة فانتشرت القصيدة وذاعت بعض أبياتها على كل لسان مع أنها كانت سقيمة اللفظ مختلة الأوزان، وهكذا كان ينتشر بين الناس كل جديد بالغا ما بلغ من السوء أو الإتقان.

وفى هذا الجو الحافل بروائع الفكر والعلم بدأت بواكير الشاب السيد عبيد مدني الشعرية تتفتح كما بدأت أفكاره وطموحاته تظهر فيما يكتب وبدأ أسمه يظهر في المدينة المنورة كأديب جريئ وشاعر مجدد، ولقد استطاع السيد عبيد أن يتغلب على ما واجهه من اعتراض وانتقادات بالصبر والحكمة وبما عرف عن أخلاقه الشخصية ولعل لمكانة أسرته الاجتماعية أعظم الأثر في تجنبه المتاعب والمصاعب، ولسائل أن يسأل لماذا لم يظهر أثر السيد عبيد مدني وغيره من أدباء المدينة المنورة ضمن الآثار التي ظهرت في كتاب أدب الحجاز وكتاب المعرض الذى نشر في عام

<<  <  ج: ص:  >  >>