١٣٤٤ هـ ولقد أجاب الأستاذ عبد القدوس على هذا السؤال فقال أن ذلك العهد كان عهدا انعزاليا فقد كانت المدينة المنورة تعيش داخل أسوارها ولم يكن هناك اتصال بين الأدباء في كل من مكة المكرمة وجدة والطائف، وأن أول اتصال بين أدباء المدينة المنورة وأدباء مكة إنما تم في عام ١٣٤٨ هـ حينما قام بزيارة المدينة المنورة الشاعر والأديب المكي الأستاذ محمد عمر عرب رحمه الله ونستطيع أن نعلل هذا التأخر في الاتصال في العهد الهاشمي لأسباب أهمها صعوبة المواصلات بين المدينة المنورة ومكة وجدة فالمسافة بين البلدين مكة والمدينة تبلغ خمسمائة كيلومتر وكانت وسائل الانتقال بين البلدين هي الجمال والخيل والحمير، وكان أسرع هذه الوسائل يقطع الطريق بين البلدين في أسبوع وكان الناس يخرجون في مجموعات وكانت هذه المجموعات تسمى الركبان وأحدها ركب وكان الركب الواحد يضم المئات، وكان لمكة ركبها كما كان لجده ركبها وكان الركب يستعين ببعض الأدلاء من البادية على الأصح ببعض الحماة لضمان سلامته وعدم التعرض له بسوء وكان الركب إلى ذلك يصطحب المنشدين من ذوى الأصوات الجميلة وكان هؤلاء المنشدون ينشدون القصائد، الخاصة بهذه المناسبات وأغلبها من المدائح النبوية المعروفة وما شابهما، كما كان الركب يقضى بعض الوقت في أماكن معينة في الطريق وخاصة في بدر التي وقعت فيها أول معركة فاصلة في الإسلام.
ولكني في الواقع لا أستطيع تعليل تأخر الاتصال بن أدباء المدينة المنورة وأدباء مكة الكرمة وجدة في العهد السعودي بعد ظهور السيارات واستعمالها للسفر بين البلدين وذلك أن الحركة الأدبية الحديثة في المدن الأخرى مكة وجدة والطائف ولدت قوية في مطلع العهد السعودي وكان الفضل في ظهورها للمرحوم الشيخ محمد سرور الصبان الذى قام برعاية الحركة الأدبية ونشرها على الناس (١) ومن
(١) انظر ترجمة الشيخ محمد سبرور الصبان في كتابنا أعلام الحجاز وانظر الفصل الخاص بالآداب والفنون في كتابنا ملامح الحياة الاجتماعية في الحجاز.