للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنين يقولون: إن الله قد جعل القرآن عربيا، فقد قالوا معك بالتنزيل ولم يخالفوا التنزيل، وأنت إنما كفرت القوم بمعنى جعل لأن معنى جعل عندك معنى خلق. قال بشر: ما بين جعل وخلق فرق. قلت لبشر: أخبرني عن جعل عندك حرف محكم لا يحتمل إلا معنى خلق؟ قال: نعم، لا يعقل جعل في لغة من اللغات إلا معنى خلق.

قلت: فأخبرني عن قول الله عز وجل: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} (١) معناه معنى خلقتم؟ أخبرني عن قول الله عز وجل: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} (٢) معناه: لا تخلقوا؟ أخبرني عن قوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (٣) معناه: لا تخلقوا؟ قال: فقال لي المأمون: فما معناه؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين هذا رجل جاهل بلغة قومك، إن "جعل" في كتاب الله يحتمل معنيين: معنى خلق، ومعنى تصيير غير خلق، فلما كان خلق حرفا محكما لا يحتمل معنيين، ولم يكن من صناعة العباد، لم يتعبد الله الخلق به، فيقول: اخلقوا أولا تخلقوا، إذ لم يكن الخلق من صناعة المخلوقين، ولما كان جعل يحتمل معنيين: معنى خلق، وهو معنى تفرد الله به دون الخلق، ويحتمل معنى غير الخلق، خاطب الخلق بالأمر به والنهي عنه، أفقال: اجعلوا ولا تجعلوا؟ ألم تسمع إلى قوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ


(١) النحل الآية (٩١).
(٢) البقرة الآية (٢٢٤).
(٣) النور الآية (٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>