فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام، والقوي بلا إخلاص يخذل. ولقد جمع الله هذا للأنبياء بالدرجة الأولى، فكانوا في القمة قوة وإخلاصا، وأتباعهم يتفاوتون في ذلك. وقد كان -ولله الحمد- الإمام أحمد مثلا في ذلك، قوة وإخلاصا وتوفيقا. لقد صمد الإمام أمام قوة عظمى عزمت على مداهمته ومصارعته بفكرها الباطل. حكومة بأكملها ملكها ووزراؤها وعلماؤها وسجانها، وجميع قواها التعذيبية، والمجاهد إذا كان في المعركة ومعه أصحابه تجده قويا بهم مرفوع الحس والمعنى.
ولكن إمامنا تولى عنه أصحابه وخافوا من سطوة السيف فبقي في الميدان وحيدا فريدا، وحتى من كان عن يمينه استشهد إلى رحمة الله.
والمعركة عادة تكون فترتها قصيرة، فتسفر عن هزيمة أحد الفريقين أو على الأقل يحصل تعادل، ولكن في مقامنا هذا، لقد طال الأمد -تناوله ثلاثة من الحكام- وفي أغلب الأحيان بنوع أو نوعين. ولكن إمامنا هذا، جمع له كل الأنواع، زيادة في الأجر ورفعا لدرجاته في الجنة إن شاء الله. سجن، وقيود، وجوع، وتهديدات متكررة، وكثرة المناظرة بالباطل، واحتقار لشأن الإمام، وتحريض من بيده الأمر على تعذيبه، وقتله، ووقوف الحاكم على رأسه، ومشاهدة تعذيبه في وقاحة كاملة، ونفي من مكان إلى مكان، وإقامة جبرية، لا جمعة، ولا جماعة، ولا اتصال للتحديث، ضعف مادي في الأسرة لا تجد ما تنفقه ... كل هذا على ماذا؟ إنه على العقيدة السلفية، عقيدة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والصحابة بعده، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ولقد برأ الله الإمام أحمد من التسابق على المناصب السياسية. فهو لم