وجه بني آدم كما سمى الله وجهه وجهاً؟ ولو كان تشبيهاً من علمائنا لكان كل قائل إن لبني آدم وجها، وللخنازير والقردة والكلاب والسباع والحمير والبغال والحيات والعقارب وجوها قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب وغيرها مما ذكرت، ولست أحسب أن أعقل الجهمية المعطلة عند نفسه لو قال له أكرم الناس عليه: وجهك يشبه وجه الخنزير والقرد والدُّب والكلب والحمار والبغل ونحو هذا إلا غضب؛ وإلا خرج من سوء الأدب في الفحش من المنطق من الشتم للمشبه وجهه بوجه ما ذكرنا، ولعله بعد يقذفه ويقذف أبويه. ولست أحسب أن عاقلاً يسمع هذا القائل المشبه وجه ابن آدم بوجه ما ذكرنا إلا ويرميه بالكذب والزور والبهت، أو بالعته والخبل، أو يحكم عليه بزوال العقل ورفع القلم عنه؛ لتشبيه وجه ابن آدم بوجه ما ذكرنا.
فتفكروا يا ذوي الألباب أَوُجوهُ ما ذكرنا أقرب شبهاً بوجوه بني آدم أو وجه خالقنا بوجوه بني آدم؟ فإذا لم تطلق العرب تشبيه وجوه بني آدم بوجوه ما ذكرنا من السباع، واسم الوجه قد يقع على جميع وجوهها كما يقع اسم الوجه على وجوه بني آدم؛ فكيف يلزمنا أن يقال لنا: أنتم مشبهة، ووجوه بني آدم ووجوه ما ذكرنا من السباع والبهائم محدثة كلها مخلوقة قد قضى الله فناءها وهلاكها وقد كانت عدما؛ فكونها الله وخلقها وأحدثها وجميع ما ذكرنا من السباع والبهائم لوجوهها أبصار وخدود وجباه وأنوف وألسنة وأفواه وأسنان وشفاه، ولا يقول مركب فيه العقل لأحد من بني آدم وجهك شبيه بوجه خنزير، ولا عينك شبيهة بعين قرد، ولا فمك فم دب،