للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجل خلق الجنة وخلق النار، ولكل واحدة منهما أهلاً، وأقسم بعزته أنه يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين، ثم خلق آدم عليه السلام، واستخرج من ظهره كل ذرية هو خالقها إلى يوم القيامة. ثم جعلهم فريقين: فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير. وخلق إبليس، وأمره بالسجود لآدم عليه السلام، وقد علم أنه لا يسجد للمقدور، الذي قد جرى عليه من الشقوة التي قد سبقت في العلم من الله عز وجل، لا معارض لله الكريم في حكمه، يفعل في خلقه ما يريد، عدلاً من ربنا قضاؤه وقدره، وخلق آدم وحواء عليهما السلام، للأرض خلقهما، أسكنهما الجنة، وأمرهما أن يأكلا منها رغداً ما شاءا، ونهاهما عن شجرة واحدة أن لا يقرباها، وقد جرى مقدوره أنهما سيعصيانه بأكلهما من الشجرة. فهو تبارك وتعالى في الظاهر ينهاهما، وفي الباطن من علمه: قد قدر عليهما أنهما يأكلان منها: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} (١) لم يكن لهما بد من أكلهما، سبباً للمعصية، وسبباً لخروجهما من الجنة، إذ كانا للأرض خلقا، وأنه سيغفر لهما بعد المعصية، كل ذلك سابق في علمه، لا يجوز أن يكون شيء يحدث في جميع خلقه، إلا وقد جرى مقدوره به، وأحاط به علماً قبل كونه أنه سيكون.

خلق الخلق كما شاء لما شاء، فجعلهم شقياً وسعيداً قبل أن يخرجهم إلى الدنيا، وهم في بطون أمهاتهم، وكتب آجالهم، وكتب أرزاقهم، وكتب أعمالهم، ثم أخرجهم إلى الدنيا، وكل إنسان يسعى فيما كتب له وعليه، ثم بعث رسله،


(١) الأنبياء الآية (٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>