للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهناً ثاقباً، علم بحسن قريحته ودقة فطنته أن الجهمية تريد إبطال الربوبية ودفع الإلهية، واستغنى بما يدله عليه عقله وتنبهه عليه فطنته عن تقليد الأئمة القدماء والعلماء والعقلاء الذين قالوا: إن الجهمية زنادقة، وأنهم يدورون على أن ليس في السماء شيء، فإن القائلين لذلك بحمد الله أهل صدق وأمانة وورع وديانة، فإن من أنعم النظر، وجد الأمر كما قالوا، فإن الجهمية قالوا: إن الله ما تكلم قط ولا يتكلم أبداً، فجحدوا بهذا القول علمه وأسماءه وقدرته وجميع صفاته، لأن من أبطل صفة واحدة، فقد أبطل الصفات كلها، كما أنه من كفر بحرف من القرآن فقد كفر به كله. وقالوا: إنه لا يرى في القيامة، فما بالهم لا يألون أن يأتوا بما فيه إبطاله وإبطال البعث والنشور والجنة والنار؟ وقالوا: إن الله ما كلم موسى تكليماً، ولا اتخذ إبراهيم خليلاً، ولا هو على عرشه. وقالوا: إن الجنة والنار لم تخلقا بعد، ثم قالوا إنهما إذا خلقتا، فإنهما تبيدان وتفنيان. وقالوا إن أهل القبور لا يعذبون إبطالاً للرجوع بعد الموت.

وقالوا: إنه لا ميزان، ولا صراط، ولا حوض، ولا شفاعة، ولا كتب، وجحدوا باللوح المحفوظ، وبالرق المنشور، وبالبيت المعمور، فليس حرف واحد من كلامهم يسمعه من يفهمه إلا وقد علم أنه يرجع إلى الإبطال والجحود بجميع ما نزلت به الكتب وجاءت به الرسل، حتى إنهم ليقولون: إن الله عز وجل لا يسمع، ولا يبصر، ولا يغضب، ولا يرضى، ولا يحب، ولا يكره، ولا يعلم ما يكون إلا بعد أن يكون، وكل ما ادعوه من ذلك وانتحلوه فقد أكذبهم الله فيه ونطق القرآن بكفر من جحده. وقد كان

<<  <  ج: ص:  >  >>