للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليل، ولا يفطر النهار، ولا يعرف زوجة، ولا يذوق من شهوات الدنيا شيئاً؛ قد نحل جسمه، ودق عظمه، حتى إنه يصلي قاعداً؛ فهو خير من العلماء الذين يأكلون ويتمتعون! ذلك مبلغهم من العلم! ولو فقهوا؛ علموا أن الدنيا لو اجتمعت في لقمة، فتناولها عالم يفتي عن الله ويخبر بشريعته؛ كانت فتوى واحدة منه يرشد بها إلى الله تعالى خيراً وأفضل من عبادة ذلك العابد باقي عمره. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: فقيه واحد أشدّ على إبليس من ألف عابد.

ومن سمع هذا الكلام؛ فلا يظنّنّ أنني أمدح من لا يعمل بعلمه، وإنما أمدح العاملين بالعلم، وهم أعلم بمصالح أنفسهم؛ فقد كان فيهم من يصلح على خشن العيش؛ كأحمد بن حنبل، وكان فيهم من يستعمل رقيق العيش؛ كسفيان الثوري مع ورعه، ومالك مع تدينه، والشافعي مع قوة فقهه.

ولا ينبغي أن يطالب الإنسان بما يقوى عليه غيره فيضعف هو عنه؛ فإن الإنسان أعرف بصلاح نفسه.

وقد قالت رابعة: إن كان صلاح قلبك في الفالوذج؛ فكله.

ولا تكوننّ أيها السامع ممّن يرى صور الزهد؛ فربّ متنعّم لا يريد التنعم، وإنما يقصد المصلحة، وليس كل بدن يقوى على الخشونة، خصوصاً من قد لاقى الكدّ وأجهده الفكر، أو أمضّه الفقر؛ فإنه إن لم يرفق بنفسه؛ ترك واجباً عليه من الرفق بها.

فهذه جملة؛ لو شرحتُها بذكر الأخبار والمنقولات؛ لطالت، غير أني

<<  <  ج: ص:  >  >>