في آخر عصر التابعين، فعارضوا الوحي بالعقل، وقالوا كل شريعة لا تقبلها عقولنا رددناها بالتأويل إليها، ثم ذلك منهم في آخر زمان بني أمية، فخمدت نار فتنتهم فقتل خالدُ ابن عبد الله الجعدَ ابن درهم ثاني رؤسائهم، ثم اشتعلت نار فتنتهم في زمان المأمون فأوقع / المحنة بالعلماء حيث أعجبه مذهب هؤلاء المبتدعة، فقتل من قتل من العلماء، ونجا منهم بإظهار مذهبهم اتقاء شرهم أو بالصبر على الحبس والعذاب، وعلى هذه البدعة حَبَسَ المعتصمُ الإمام أحمدَ وضربه، ثم أطفأ الله نار هذه البدعة وأظهر السنة على لسان خلقه، وخطب بها على المنابر زمانا حتى ظهرت جنود إبليس القرامطة والباطنية والملاحدة، ودعوا الناس إلى العقل المجرد، وأن أمور الرسل تعارض المعقول.
وفي زمنهم غلب الكفار على كثير من بلاد المسلمين، وهم الذين كسروا عسكر الخليفة العباسي، وقلعوا الحجر الأسود (١)، وقتلوا الحجاج. ثم خمدت دعوتهم في المشرق وظهرت في المغرب قليلا قليلا. ثم أخذوا يطؤون البلاد حتى وصلوا إلى بلاد مصر فملكوها وبنوا بها القاهرة، وأقاموا على هذه الدعوة مصرحين بها هم وولاتهم وقضاتهم، وفي زمنهم صرح ابن أبي زيد بأن الله مستو على عرشه بذاته، ردا لمذهبهم من غير أن تأخذه في الله لومة لائم، واتخذ الكلاب ليحرسوا من صائلهم ومعتدهم. وفي أيامهم ألفت الإشارات وكتب ابن سينا، قال: كان أبي من أهل الدعوة الحاكمين. وأهل السنة فيهم كأهل الذمة بين المسلمين، بل كان لأهل الذمة من الأمان