للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُجْزِهِ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ يُلْبَسُ لِلْمَشْيِ. وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا كَانَ يَبْدُو ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ مِنْ الْأَنَامِلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَتُجْمَعُ الْخُرُوقُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ وَلَا تُجْمَعُ فِي خُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْخُفَّيْنِ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْآخَرِ.

قَالَ (وَإِنْ مَسَحَ بَاطِنَ الْخُفِّ دُونَ ظَاهِرِهِ لَمْ يُجْزِهِ) فَإِنَّ مَوْضِعَ الْمَسْحِ ظَهْرُ الْقَدَمِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ فَرْضٌ، وَعَلَى بَاطِنِهِ سُنَّةٌ، فَالْأَوْلَى عِنْدَهُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى بَاطِنِهِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا عَلَى كُلِّ رِجْلٍ وَعِنْدَنَا الْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ فَقَطْ لِحَدِيثِ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ ظَاهِرِهِ وَلَكِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ دُونَ بَاطِنِهِمَا» وَلِأَنَّ بَاطِنَ الْخُفِّ لَا يَخْلُو عَنْ لَوَثٍ عَادَةً فَيُصِيبُ يَدَهُ ذَلِكَ اللَّوَثُ وَفِيهِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَالْمَسْحُ مَشْرُوعٌ لِدَفْعِ الْحَرَجِ.

[الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ]

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ) وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ جَوَّزَهُ لِحَدِيثِ «بِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ» وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ سَرِيَّةً فَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْمَشَاوِذِ وَالتَّسَاخِينَ» فَالْمَشَاوِذُ الْعَمَائِمُ وَالتَّسَاخِينُ الْخِفَافُ.

(وَلَنَا) حَدِيثُ «جَابِرٍ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَسَرَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ» وَكَأَنَّ بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ بَعِيدًا مِنْهُ فَظَنَّ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ حِينَ لَمْ يَضَعْهَا عَنْ رَأْسِهِ وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّ بِهِ تِلْكَ السَّرِيَّةَ لِعُذْرِهِمْ فَقَدْ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَخُصُّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِأَشْيَاءَ كَمَا خَصَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِلُبْسِ الْحَرِيرِ وَخُزَيْمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ. ثُمَّ الْمَسْحُ إنَّمَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْغُسْلِ لَا عَنْ الْمَسْحِ، وَالرَّأْسُ مَمْسُوحٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ بَدَلًا عَنْهُ بِخِلَافِ الرِّجْلِ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ كَثِيرُ حَرَجٍ فِي إدْخَالِ الْيَدِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ وَالْمَسْحِ عَلَى الرَّأْسِ.

قَالَ (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لَا تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا) لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا أَدْخَلَتْ يَدَهَا تَحْتَ الْخِمَارِ وَمَسَحَتْ بِرَأْسِهَا وَقَالَتْ بِهَذَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَإِنْ مَسَحَتْ عَلَى خِمَارِهَا فَنَفَذَتْ الْبِلَّةُ إلَى رَأْسِهَا حَتَّى ابْتَلَّ قَدْرُ الرُّبْعِ أَجْزَأَهَا حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَانَ الْخِمَارُ جَدِيدًا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَدِيدًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ثُقُوبَ الْجَدِيدِ لَمْ تَنْسَدَّ بِالِاسْتِعْمَالِ فَتَنْفُذُ الْبِلَّةُ مِنْهَا إلَى الرَّأْسِ.

[الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ]

قَالَ (وَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ فَإِنْ كَانَا

<<  <  ج: ص:  >  >>