الْقَطْعِ لَكَانَتْ الَأُخْتِيَّةُ مُؤْثَرَةً فِيهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِالنَّسَبِ
[أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ هَرَبَ]
(قَالَ) وَإِنْ أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ هَرَبَ لَمْ يُطْلَبْ، وَإِنْ كَانَ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَرَبَهُ دَلِيلُ رُجُوعِهِ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ لَمْ يُقْطَعْ، فَكَذَلِكَ إذَا هَرَبَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِمَاعِزٍ حِينَ أُخْبِرَ بِالْهَرَبِ فَقَالَ: هَلَّا خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ»، وَلَكِنَّهُ إذَا أُتِيَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ ضَامِنًا لِلْمَالِ، كَمَا لَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْقَطْعُ بِهِ دُونَ الضَّمَانِ
(قَالَ) وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ هَذَا مِائَةً ثُمَّ قَالَ: وَهَمْت إنَّمَا سَرَقْت مِنْ هَذَا الْآخَرِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْأَوَّلِ وَتَنَاقَضَ كَلَامُهُ فِي إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْآخَرِ، وَالتَّنَاقُضُ كَالرُّجُوعِ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ وَيُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ بِالرُّجُوعِ وَالتَّنَاقُضِ يَبْطُلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْحَدِّ دُونَ الْمَالِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصَدَّقَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ فَكَانَ ضَامِنًا لَهُ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ الشُّهُودُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِلْأَوَّلِ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِقَطْعٍ، وَلَا مَالٍ؛ لِأَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْأَوَّلِ وَتَنَاقَضَ كَلَامُهُمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الثَّانِي حِينَ شَهِدُوا أَوَّلًا بِسَرِقَةِ هَذِهِ الْمِائَةِ بِعَيْنِهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَالرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالتَّنَاقُضُ فِيهَا مَانِعٌ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْمَالِ وَالْحَدِّ جَمِيعًا
(قَالَ) وَإِنْ كَانَتْ الشُّهُودُ أَرْبَعَةً فَثَبَتَ اثْنَانِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِلْأَوَّلِ بِهِ وَرَجَعَ اثْنَانِ فَشَهِدُوا عَلَى هَذَا الْآخَرِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلشُّبْهَةِ الَّتِي دَخَلَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الرَّاجِعِينَ شَهِدُوا بِسَرِقَةِ ذَلِكَ الْمَالِ بِعَيْنِهِ مِنْ الْآخَرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُعَارِضًا لِشَهَادَةِ الثَّابِتَيْنِ عَلَى السَّرِقَةِ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْقَطْعِ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الثَّابِتَيْنِ لِلْمُعَارَضَةِ وَبِشَهَادَةِ الرَّاجِعَيْنِ لِلتَّنَاقُضِ وَيُقْضَى بِالْمَالِ لِلْأَوَّلِ لِبَقَاءِ حُجَّةٍ كَامِلَةٍ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي حَقِّ الْمَالِ وَتَأْثِيرُ الْمُعَارَضَةِ فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ، وَلَكِنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَلَا يُقْضَى لِلْآخَرِ بِشَيْءٍ لِلتَّنَاقُضِ مِنْ الشُّهُودِ فِي حَقِّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْمَالِ
(قَالَ) رَجُلٌ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ هَذَا مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ يَسْرِقْهَا هَذَا، وَلَكِنِّي أَنَا سَرَقْتهَا فَقَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ كَذَبْت، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ الْأَوَّلُ بِخُصُومَتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَدَّقَهُ فِي إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ، فَأَمَّا إقْرَارُ الثَّانِي، فَقَدْ بَطَلَ بِتَكْذِيبِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إيَّاهُ فَصَارَ كَالْمَعْدُومِ، فَإِنْ قَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ: لَمْ يَسْرِقْهَا الْأَوَّلُ، فَقَدْ عَلِمْت وَذَكَرْت أَنَّ هَذَا الْآخَرَ هُوَ الَّذِي سَرَقَهُ لَمْ يُقْطَعْ الْآخَرُ، وَلَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ عَلَى الْأَوَّلِ بَرَاءَةٌ مِنْهُ لِلْآخَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute