للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَفَعَهَا أَوْ فَدَاهَا؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْغَصْبِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهَا، وَمُوجِبُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ أَنْ يُخَيَّرَ مَوْلَاهَا بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِنْ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا لَزِمَهُ بِسَبَبٍ كَانَ مِنْهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَجِنَايَتُهَا فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ كَجِنَايَةِ الْغَاصِبِ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يُسَلَّمْ حِينَ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفِدَاءُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ فِي الْتِزَامِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَقَلِّ مُخْتَارٌ، فَإِنَّهُ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِاخْتِيَارِ الْأَقَلِّ، فَإِنْ كَانَتْ مَاتَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتَهَا مِنْ الْغَاصِبِ بِسَبَبِ الْغَصْبِ فَيَدْفَعُهَا إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُمْ بِالْجِنَايَةِ، وَقَدْ فَاتَتْ، وَاخْتَلَفَتْ بَدَلًا فَيَسْتَحِقُّونَ بَدَلَهَا بِاسْتِحْقَاقِهَا، وَإِذَا دَفَعَ الْقِيمَةَ إلَيْهِمْ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَلِأَنَّ اسْتِرْدَادَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ، وَلَوْ اسْتَرَدَّهَا وَدَفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَتِهَا فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَرَدَّ قِيمَتَهَا، وَدَفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ.

[رَجُلٌ غَصَبَ دَارَ رَجُلٍ وَسَكَنَهَا]

(رَجُلٌ) غَصَبَ دَارَ رَجُلٍ وَسَكَنَهَا، فَإِنْ انْهَدَمَتْ مِنْ سُكْنَاهُ أَوْ مِنْ عَمَلِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ لِمَا انْهَدَمَ بِفِعْلِهِ، وَالْإِتْلَافُ يَتَحَقَّقُ فِي الْعَقَارِ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ، وَإِنْ انْهَدَمَتْ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُمَا فِي الْعَقَارِ، وَالْحُكْمُ يَنْبَنِي عَلَى السَّبَبِ وَأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ فِي الْقِيَاسِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُضْمَنُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» فَقَدْ أَطْلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَفْظَ الْغَصْبِ عَلَى الْعَقَارِ. وَكَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفِ يُقَالُ: غَصَبَ دَارَ فُلَانٍ، وَمِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ دَعْوَى الْغَصْبِ فِي الْعَقَارِ تُسْمَعُ حَتَّى لَا تَنْدَفِعَ بِإِقَامَةِ ذِي الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ فِيهَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَالْمَعْنَى فِيهِ.

أَمَّا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ: الْعَقَارُ يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ يَدًا فَيُضْمَنُ بِالْغَصْبِ يَدًا كَالْمَنْقُولِ.

وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْغُزَاةَ إذَا فَتَحُوا بَلْدَةً يَمْلِكُونَ عَقَارَهُمْ، وَتَأْثِيرُهُ مَا بَيَّنَّا عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ حَدَّ الْغَصْبِ التَّعَدِّي بِإِثْبَاتِ الْيَدِ لِنَفْسِهِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ جَمِيعًا وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْعَقْدِ الْجَائِزِ وَالْفَاسِدِ فَيُضْمَنُ بِالْغَصْبِ كَالْمَنْقُولِ، وَتَحْقِيقُهُ هُوَ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>