للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ رَهْنِ الْحَيَوَانِ]

قَالَ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) رَهْنُ الْحَيَوَانِ الْمَمْلُوكِ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ، بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ (- رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) أَنَّ الْحَيَوَانَ عُرْضَةٌ لِلْهَلَاكِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، كَالْخُضَرِ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَدَلِيلُنَا عَلَى جَوَازِهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ إلَّا وَهُوَ عُرْضَةٌ لِلْفَنَاءِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ عَلَفُهُ، وَطَعَامُ الرَّقِيقِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَى الْمِلْكِ بِسَبَبِ مِلْكِ الْعَيْنِ، فَالرَّاهِنُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ مَالِكٌ لِلْعَيْنِ، كَمَا كَانَ قَبْلَهُ، وَفِي كَوْنِ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مَنْفَعَةٌ لِلرَّاهِنِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِهَلَاكِهِ قَاضِيًا لِدَيْنِهِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ، وَالْمُؤَجَّرِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعَارِ، وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَالِكِ فِي كَوْنِ الْعَيْنِ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُوصَى لَهُ، وَإِنَّمَا تَخْلُصُ الْمَنْفَعَةُ لَهُمَا، فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ عَلَيْهِمَا فَلِهَذَا لَا يَرْجِعَانِ بِضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ (تَوْضِيحُهُ): أَنَّ الْإِعَارَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَيُقَالُ لِلْمُسْتَعِيرِ: إنْ ثَبَتَ فَأَنْفِقْ عَلَيْهِ، وَانْتَفِعْ بِهِ، وَإِلَّا فَرُدَّهُ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ بِإِيجَابٍ مِنْ الْوَارِثِ فَلَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهَا.

وَأَمَّا الرَّهْنُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقٌّ لَازِمٌ بِإِيجَابِ الرَّهْنِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُسْقِطًا لِلنَّفَقَةِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ مَقْصُورَةً عَنْهُ كَالْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَلِكَ أَجْرُ الرَّاعِي فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَلَفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ بِمَقْصُودِ الرَّاعِي فَيَكُونُ عَلَى الْمَالِكِ، وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ إمَّا فِي مَنْزِلِهِ، وَإِمَّا فِي مَنْزِلٍ يَتَكَارَى لَهُ، وَلَيْسَ عَلَى الرَّاهِنِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَلَا يَتَأَتَّى حِفْظُهُ إلَّا فِي مَنْزِلٍ فَمُؤْنَتُهُ تِلْكَ تَكُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْحِفْظِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ إضْجَارُ الرَّاهِنِ، وَلِأَنَّ مُوجَبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَمَا يَكُونُ مُوجَبُ الْعَقْدِ، فَهُوَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَالَ: إنْ كَانَ فِي مَنْزِلِ الْمُرْتَهِنِ سَعَةٌ، فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَتَكَارَى لَهُ مَنْزِلًا، فَالْكِرَاءُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ أُجْرَةَ الْمَسْكَنِ كَالنَّفَقَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ عَلَى الزَّوْجِ كَالنَّفَقَةِ وَإِنْ أَصَابَ الرَّقِيقَ جِرَاحَةٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ دُبِّرَتْ الدَّوَابُّ، فَإِصْلَاحُ ذَلِكَ، وَدَوَاؤُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ اُنْتُقِصَتْ بِمَا اعْتَرَضَ، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِبُرْءِ الْمُعَالَجَةِ إعَادَةُ مَا كَانَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أَشْرَفَ عَلَى السُّقُوطِ، وَهُوَ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ لِلْمُرْتَهِنِ، وَالْمُدَاوَاةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>