للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَأْجَرَهَا تُرْضِعُ صَبِيًّا لَهُ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ لِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا دِينًا حَتَّى لَا تُؤْمَرَ بِهِ فَتْوَى وَهُوَ لَيْسَ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ الْقَائِمِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ وَلَدِهِ مِنْهَا.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أُمَّهُ أَوْ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ تُرْضِعُ صَبِيًّا لَهُ كَانَ جَائِزًا وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَى وَاحِدَةٍ دِينًا حَتَّى لَا تُؤْمَرَ بِهِ فَتْوَى فَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا، ثُمَّ أَبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ أَلِفَهَا الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ إلَّا مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتْرُكَ الْإِجَارَةَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْرَفُ بِذَلِكَ فَلَهَا أَنْ تَأْبَى وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُعْرَفْ بِذَلِكَ الْعَمَلِ فَإِنَّمَا تَأْبَى لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهَا، فَكَذَلِكَ فِي الْمَحَارِمِ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا لِتُرْضِعَ لَهُ صَبِيًّا فِي بَيْتِهَا فَجَعَلَتْ تُؤَجِّرُ لَبَنَ الْغَنَمِ وَتَغْذُوهُ بِكُلِّ مَا يُصْلِحُهُ حَتَّى اسْتَكْمَلَ الْحَوْلَيْنِ وَلَهَا لَبَنٌ أَوْ لَيْسَ لَهَا لَبَنٌ فَلَا أَجْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ بِمُقَابَلَةِ الْإِرْضَاعِ وَهِيَ لَمْ تُرْضِعْهُ إلَّا بِمَا سَقَتْهُ لَبَنَ الْغَنَمِ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُمْ عَمَلٌ مُصْلِحٌ لِلصَّبِيِّ وَمَا أَتَتْ بِهِ مُفْسِدٌ فَالْآدَمِيُّ لَا يَتَرَبَّى تَرْبِيَةً صَالِحَةً إلَّا بِلَبَنِ الْجِنْسِ، وَإِنْ جَحَدَتْ ذَلِكَ وَقَالَتْ قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا فَصَلَاحُ الْوَلَدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ لَبَنَ الْآدَمِيَّةِ، وَإِنْ أَقَامَ أَهْلُ الصَّبِيِّ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَوْا فَلَا أَجْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ، وَإِنْ أَقَامُوا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ أُخِذَتْ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْأَجْرَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ مَنْ اسْتَأْجَرَهَا وَيَثْبُتُ إيفَاءُ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ وَالْمُثْبَتُ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْبَاقِي.

وَإِذَا الْتَقَطَ الرَّجُلُ لَقِيطًا فَاسْتَأْجَرَ لَهُ ظِئْرًا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقُومُ بِإِصْلَاحِهِ وَاسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ مِنْ إصْلَاحِهِ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِي إلْزَامِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ اللَّقِيطِ وَكُلُّ يَتِيمٍ لَيْسَ لَهُ أُمٌّ لِتُرْضِعَهُ فَعَلَى أَوْلِيَائِهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَنْ يَسْتَأْجِرُوا لَهُ ظِئْرًا عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ؛ لِأَنَّ أَجْرَ الظِّئْرِ كَالنَّفَقَةِ بَعْدَ الْفِطَامِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] وَفِي قَوْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ أُمٌّ تُرْضِعُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِرْضَاعَ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ حَيَّةً وَلَهَا لَبَنٌ دُونَ سَائِرِ الْأَقَارِبِ؛ لِأَنَّهَا مُؤْسِرَةٌ فِي حُكْمِ الْإِرْضَاعِ وَسَائِرُ الْقَرَابَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْمُعْسِرِ فِي ذَلِكَ فَكَانَ عَلَيْهَا دُونَهُمْ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنْ كَانَ لَا وَلِيَّ لَهُ فَأُجْرَةُ الظِّئْرِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ نَفَقَتِهِ بَعْدَ الْفِطَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ إجَارَةِ الدُّورِ وَالْبُيُوتِ]

بَابُ إجَارَةِ الدُّورِ وَالْبُيُوتِ (قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ دَارًا سَنَةً بِكَذَا وَلَمْ يُسَمِّ الَّذِي يُرِيدُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>