وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا مِتُّ أَوْ قُتِلْت فَأَنْتَ حُرٌّ.
عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى حَتَّى يَعْتِقَ إذَا مَاتَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ مَاتَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ عُلِّقَ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ الْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ فَإِنْ كَانَ مَوْتًا فَالْمَوْتُ لَيْسَ بِقَتْلٍ وَتَعْلِيقُهُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً فِي أَحَدِهِمَا خَاصَّةً فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا مِتُّ وَغُسِّلْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ وَبِشَيْءٍ آخَرَ بَعْدَهُ، ثُمَّ إذَا مَاتَ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ غُسِّلَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْتِقْ بِنَفْسِ الْمَوْتِ انْتَقِلْ إلَى الْوَارِثِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ مِتُّ وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ يُغَسَّلُ عَقِيبَ مَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْوَارِثِ فِيهِ فَهُوَ نَظِيرُ تَعْلِيقِهِ بِمَوْتٍ بِصِفَةٍ فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ يَعْتِقُ مِنْ ثُلُثِهِ بِخِلَافِ دُخُولِ الدَّارِ فَذَلِكَ لَا يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ فَيَتَقَرَّرُ مِلْكُ الْوَارِثِ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[بَابُ تَدْبِير الْعَبْد بَيْنَ اثْنَيْنِ.]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَدَبَّرُ نَصِيبُهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ عِنْدَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُدَبِّرُ مُوسِرًا فَلِلْآخَرِ خَمْسُ خِيَارَاتٍ: إنْ شَاءَ دَبَّرَ نَصِيبَهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي نَصِيبِهِ وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَارَ مُدَبَّرًا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي نَصِيبِهِ أَيْضًا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ صَارَ كَالْمُحْتَبِسِ عِنْدَ الْمُدَبِّرِ حَيْثُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي نَصِيبِهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ صَاحِبَهُ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُدَبِّرِ بَاقٍ فِي نَصِيبِهِ فَيَتَمَكَّنُ الشَّرِيكُ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ عِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَبِّرُ مُعْسِرًا فَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ حَقُّ التَّضْمِينِ وَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا قُلْنَا، فَإِنْ أَعْتَقَ السَّاكِتُ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ فَلِلْمُدَبِّرِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْغُلَامُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ وَقَدْ أَفْسَدَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ ذَلِكَ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَرْجِعَ هُوَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْغُلَامِ، وَأَيَّ ذَلِكَ اخْتَارَ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute