للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِسْلَامِ إذَا أَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ مَوْرُوثًا عَنْهُ، وَالْمِيرَاثُ يَتَأَخَّرُ عَنْ الدَّيْنِ فَعَلَى هَذَا، إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ بِمَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ، فَالْمُرْتَهِنُ ضَامِنٌ قِيمَتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ): حُكْمُ الْكَسْبَيْنِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ مِيرَاثٌ عَنْهُ، وَتَصَرُّفُهُ مِنْ حَيْثُ الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ نَافِذٌ، وَكَانَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ بِإِسْلَامِهِ يَنْفُذُ الرَّهْنُ، كَمَا يَنْفُذُ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَهْنِ الْمُرْتَدَّةِ وَارْتِهَانِهَا كَقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ رَهْنَهَا يَنْفُذُ، كَمَا تَنْفُذُ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهَا، فَإِنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَالرِّجْلُ يُقْتَلُ.

وَإِذَا ارْتَهَنَ الْمُسْلِمُ مِنْ مُسْلِمٍ عَبْدًا مُرْتَدًّا وَقَبَضَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَقُتِلَ عِنْدَهُ فَهُوَ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ، وَالدَّيْنُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ حَلَالَ الدَّمِ بِقِصَاصٍ فَقُتِلَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ كَانَ قَدْ سَرَقَ عِنْدَ الرَّاهِنِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَذْهَبْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ، وَكَانَ رَهْنًا بِالدَّيْنِ كُلِّهِ.

وَأَمَّا الْعَبْدُ الزَّانِي، أَوْ الْقَاذِفُ، أَوْ الشَّارِبُ خَمْرًا عِنْدَ الرَّاهِنِ، إذَا ضُرِبَ الْحَدَّ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، فَدَخَلَهُ مِنْ ذَلِكَ نُقْصَانٌ فَذَلِكَ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ) مِثْلَ ذَلِكَ إلَّا فِي السَّرِقَةِ وَالْقَتْلِ، فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ سَارِقًا وَيُقَوَّمُ غَيْرَ سَارِقٍ، وَيُقَوَّمُ حَلَالَ الدَّمِ وَمَحْقُونَ الدَّمِ، فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ سَارِقًا أَوْ حَلَالَ الدَّمِ، وَيَكُونُ عَلَى الرَّاهِنِ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ إذَا قُتِلَ، وَفِي السَّارِقِ: يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ نِصْفُ قِيمَتِهِ سَارِقًا، وَيَكُونُ مَرْهُونًا بِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَيْعِ، إذَا اشْتَرَى عَبْدًا سَارِقًا أَوْ حَلَالَ الدَّمِ، فَقُتِلَ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي.

وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي (الْبُيُوعِ) وَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُكَ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: رَهَنْتَهُ وَهُوَ كَافِرٌ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُنَازَعَةَ بَيْنَهُمَا فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ، وَالْمُرْتَهِنُ يُنْكِرُ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ بِمَا فَعَلَ بِهِ عِنْدَهُ وَالرَّاهِنُ يَدَّعِي ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى الرَّاهِنِ إثْبَاتُ مَا يَدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ رَهْنِ الْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ]

(بَابُ رَهْنِ الْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ) (قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا رَهَنَ الْمُضَارِبُ رَهْنًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ بِدَيْنٍ اسْتَدَامَهُ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرَهُ بِأَنْ يَسْتَدِينَ وَيَرْهَنَ، فَالرَّهْنُ جَائِزٌ، وَالدَّيْنُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ هُوَ الشِّرَاءُ بِالْبَيِّنَةِ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ، فَالْمُضَارَبَةُ تَسْتَدْعِي رَأْسَ مَالٍ حَاضِرٍ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>