أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[كِتَابُ الصَّوْمِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الْإِمْسَاكُ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ
خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُك اللُّجُمَا
أَيْ وَاقِفَةٌ وَمِنْهُ صَامَ النَّهَارُ إذَا وَقَفَتْ الشَّمْسُ سَاعَةَ الزَّوَالِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ إمْسَاكٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَشَهْوَةِ الْفَرْجِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا طَاهِرًا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَفِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ فَالِاسْمُ شَرْعِيٌّ فِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ وَأَصْلُ فَرْضِيَّةِ الصَّوْمِ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] إلَى قَوْلِهِ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] فَفِيهِ بَيَانُ السَّبَبِ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّرْعُ مُوجِبًا، وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ وَأَمَرَ بِالْأَدَاءِ نَصًّا بِقَوْلِهِ فَلْيَصُمْهُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ»، وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا الصَّوْمَ وَقَدْ كَانَ وَقْتُ الصَّوْمِ فِي الِابْتِدَاءِ مِنْ حِينِ يُصَلِّي الْعِشَاءَ أَوْ يَنَامُ وَهَكَذَا كَانَ فِي شَرِيعَةٍ مَنْ قَبْلِنَا ثُمَّ خَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَمْرَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَجَعَلَ أَوَّلَ الْوَقْتِ مِنْ حِينِ يَطْلُعْ الْفَجْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٧] الْآيَةَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ الصُّبْحُ الصَّادِقُ وَالْخَيْطُ اللَّوْنُ وَفِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ» وَسَبَبُ هَذَا التَّخْفِيفِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَمَا اُبْتُلِيَ بِهِ صِرْمَةُ بْنُ أَنَسٍ حِينَ رَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجْهُودًا فَقَالَ: مَا لَك أَصْبَحْت طَلْحًا أَوْ قَالَ طَلِيحًا» الْحَدِيثُ وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ أَنَّ الْمُعْتَادَ فِي النَّاسِ أَكْلَتَانِ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ فَكَانَ التَّقَرُّبُ بِالصَّوْمِ فِي الِابْتِدَاءِ بِتَرْكِ الْغَدَاءِ وَالِاكْتِفَاءِ بِأَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْعَشَاءُ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْقَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْأَكْلَتَيْنِ جَمِيعًا، وَجَعَلَ مَعْنَى التَّقَرُّبِ فِي تَقْدِيمِ الْغَدَاءِ عَنْ وَقْتِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السُّحُورِ إنَّهُ الْغِذَاءُ الْمُبَارَكُ وَالتَّقَرُّبُ بِالصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ مُجَاهِدَةُ النَّفْسِ وَالْمُجَاهَدَةُ فِي هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِمَنْعِ النَّفْسِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute