للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمُقَرِّ لَهُ لِانْعِدَامِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي عَيَّنَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَهُوَ يَدُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْيَمِينِ وَالْإِقْرَارِ فِي الرِّقِّ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): رَجُلٌ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ حَلَفَ أَوْ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ أَوْ مَتَى حَلَفَ أَوْ حِينَ حَلَفَ أَوْ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ فِي يَمِينِهِ فَحَلَفَ فُلَانٌ عَلَى ذَلِكَ وَجَحَدَ الْمُقِرُّ بِالْمَالِ لَمْ يُؤْخَذْ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَلَكِنَّهُ مُخَاطَرَةٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِشَرْطٍ فِيهِ خَطَرٌ، وَهُوَ يَمِينُ الْخَصْمِ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يُخْرِجُ كَلَامَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ هَذَا شَرْطًا كَانَ جَاعِلًا الْيَمِينَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْمَالِ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي لَيْسَ بِسَبَبٍ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَالِ فَإِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْيَمِينَ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَلَيْسَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ مَا لَيْسَ بِسَبَبٍ سَبَبًا قَالَ. وَكَذَلِكَ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَالِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمُخَاطَرَاتِ بَاطِلٌ، فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ: إنْ حَلَفْتَ عَلَيْهَا فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهَا فَهَذَا تَعْلِيقُ الشِّرَاءِ بِالْمُخَاطَرَةِ وَالْبَرُّ أَنْ لَا يُحْتَمَلَ التَّعْلِيقُ بِالْأَخْطَارِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّ يَمِينَ الْمُنْكِرِ تُوجِبُ بَرَاءَتَهُ شَرْعًا قُلْنَا عَنْ الْيَمِين لَا فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْبَرَاءَةُ. وَكَذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ الْيَمِينُ لَا تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي بَعْدَهَا مَسْمُوعَةٌ، وَلَكِنْ إنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ لِانْعِدَامِ الْحُجَّةِ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ بَيِّنَةٍ فَتَتَأَخَّرُ خُصُومَتُهُ إلَى أَنْ يَجِدَ حُجَّةً لَا أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُوجِبَةً لِلْبَرَاءَةِ.

وَلَوْ ادَّعَى الطَّالِبُ عَلَيْهِ الْمَالَ فَحَكَّمَا رَجُلًا فَحَلَّفَهُ، فَإِنْ حَلَفَ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي حَقِّهَا كَالْقَاضِي وَبِالْيَمِينِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي تَنْقَطِعُ الْخُصُومَةُ إلَّا أَنْ يَجِدَ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ فَقَضَى الْحَكَمُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ كَانَ جَائِزًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ يَمِينٍ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهَا يَسْتَحِقُّ الْقَضَاءَ بِهَا عَلَيْهِ، فَإِذَا حَلَفَ تَنْقَطِعُ الْخُصُومَةُ بِهِ، وَفِي كُلِّ يَمِينٍ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهَا لَا يَصِيرُ الْقَضَاءُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَالْخُصُومَةُ لَا تَنْقَطِعُ بِتِلْكَ الْيَمِينِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النُّكُولَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ، وَفِيهِ فُصُولٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى.

وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ يَعْقِلُ أَوْ لَقِيطٌ لَمْ يَجْرِ فِيهِ حُكْمُ الْعِتْقِ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ فَهُوَ جَائِزٌ لِصُنْعِ الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ مَا يَصْنَعُ بِمَمْلُوكَةِ أَمَّا الْبَالِغُ إذَا أَقَرَّ بِهِ فَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، وَلَيْسَ هُنَا دَلِيلٌ يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ شَرْعًا، فَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا أَقَرَّ بِهِ فَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّبِيِّ مُعْتَبَرٌ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ وَالْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ لَيْسَ مِمَّا يَنْفَعُهُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا صَارَ عَاقِلًا وَجَبَ اعْتِبَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>