للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْوَكَالَةِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجُوزُ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي الْوَكَالَةِ مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ إذَا وَقَعَ فِيهَا الْغَلَطُ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ وَالتَّلَافِي فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْحُقُوقِ فِي الْحُجَّةِ وَالْإِثْبَاتِ أَوْ دُونَهُ، وَلَا تَفْسُدُ بِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ؛ لِأَنَّهَا كَلَامٌ يُعَادُ وَيُكَرَّرُ وَيَكُونُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ، فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِيهِ فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ لَا يَكُونُ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَى الْوَكَالَةِ وَزَادَا أَنَّهُ كَانَ عَزَلَهُ عَنْهَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْوَكَالَةِ، وَلَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْعَزْلِ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَقْضِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ بِالْوَكَالَةِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ فِي الْحَالِ فَكَيْفَ يَقْضِي بِالْوَكَالَةِ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ؟ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْعَزْلُ يَكُونُ إخْرَاجًا لِلْوَكِيلِ مِنْ الْوَكَالَةِ وَلَا يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَبَعْدَ ثُبُوتِهَا تَكُونُ بَاقِيَةً إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْعَزْلُ فَإِنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي بِبَقَاءِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعَزْلِ لَمْ يَظْهَرْ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِخُصُومَةِ فُلَانٍ فِي دَارِ سَمَّاهَا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِيهَا وَفِي شَيْءٍ آخَرَ، جَازَتْ الشَّهَادَةُ فِي الدَّارِ الَّتِي اجْتَمَعَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَإِنَّهُ أَنَابَهُ وَقَدْ يُنِيبُ الْغَيْرَ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، فَفِيمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ، وَفِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا لَمْ تَثْبُتْ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُ شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ أَنَّهُ طَلَّقَ زَيْنَبَ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَعَمْرَةَ، فَتَطْلُقُ زَيْنَبُ خَاصَّةً لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا، فَكَذَلِكَ هُنَا.

وَإِنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ بِالْوَكَالَةِ، وَالْوَكِيلُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ وَكَّلَهُ أَوْ لَمْ يُوَكِّلْهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " أَخْبَرَنِي الشُّهُودُ أَنَّهُ وَكَّلَنِي بِذَلِكَ فَأَنَا أَطْلُبُهَا " فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ بِخَبَرِ الشَّاهِدَيْنِ يَثْبُتُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي بِالْوَكَالَةِ حَتَّى يَقْضِيَ بِهَا، فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ الْعِلْمُ لِلْوَكِيلِ حَتَّى يَطْلُبَهَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْوَكِيلِ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ، وَقَضَاءُ الْقَاضِي مُلْزِمٌ، وَهُوَ نَظِيرُ الْوَارِثِ إذَا أَخْبَرَهُ الشَّاهِدَانِ بِحَقٍّ لِمُوَرِّثِهِ عَلَى فُلَانٍ، جَازَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ لِيَشْهَدَا لَهُ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَى وَكَالَتِهِ فِي شَيْءٍ مَعْرُوفٍ، وَالْوَكِيلُ يَجْحَدُ الْوَكَالَةَ، وَيَقُولُ: " لَمْ يُوَكِّلْنِي " فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الطَّالِبَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِتِلْكَ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ أَكَذَبَ شُهُودَهُ حِينَ جَحَدَ الْوَكَالَةَ، وَإِكْذَابُ الْمُدَّعِي شُهُودَهُ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُمْ لَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ هُنَاكَ مَا أَكَذَبَ شُهُودَهُ بِقَوْلِهِ: " لَا أَدْرِي أَوَكَّلَنِي أَمْ لَا؟ " وَلَكِنَّهُ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمُ الْيَقِينِ بِوَكَالَتِهِ، وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُ خَبَرَ الشَّاهِدَيْنِ إيَّاهُ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْعِلْمَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الْمَطْلُوبَ، فَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَبِلَ الْوَكَالَةَ لَزِمَتْهُ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>