بِالْمَوْتِ سَوَاءٌ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ فِي الْمُشْكِلِ قَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَوْ مُكَاتَبَيْنِ، أَوْ كَافِرَيْنِ فَالْقَوْلُ فِي الْمَتَاعِ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ. وَالْكُفَّارُ وَالْمَمَالِيكُ فِي ذَلِكَ يَسْتَوُونَ بِالْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي سَائِرِ الْخُصُومَاتِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ
[بَابُ الْقِسْمَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ]
اعْلَمْ بِأَنَّ الزَّوْجَ مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ فِي الْقِسْمَةِ فِيمَا بَيْنَ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: ٣] إلَى قَوْلِهِ {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَا تَعُولُوا} [النساء: ٣] مَعْنَاهُ: أَنْ لَا تَجُورُوا، وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْ لَا تَكْثُرَ عِيَالُكُمْ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ السَّلَفِ فَالْمَنْقُولُ عَنْهُمْ أَنْ لَا تَمِيلُوا، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ كَثْرَةَ الْعِيَالِ لَكَانَ يَقُولُ: أَنْ لَا تُعِيلُوا. يُقَالُ: عَالَ إذَا مَالَ، وَأَعَالَ إذَا صَارَ مُعِيلًا، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَذَلِكَ أَيْضًا غَلَطٌ، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدَةِ وَاِتِّخَاذِ مَا بَيَّنَّا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ عِنْدَ هَذَا الْجَوْرِ، وَمَعْنَى كَثْرَةِ الْعِيَالِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ يَحْصُلُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ، كَمَا يَحْصُلُ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ اسْتِحْقَاقُ التَّسْوِيَةِ فِي الْقِسْمَةِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْدِلُ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ» يَعْنِي: مِنْ زِيَادَةِ الْمَحَبَّةِ لِبَعْضِهِنَّ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا فِي الْقَسْمِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ»؛ وَلِأَنَّ النِّسَاءَ رَعَايَاهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْفَظُهُنَّ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ وَكُلُّ رَاعٍ مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ فِي رَعِيَّتِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ الْحُرِّ، أَوْ الْمَمْلُوكِ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَعَلَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ، فَأَمَّا فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ فَالِاخْتِيَارُ إلَيْهِ، وَهَذِهِ التَّسْوِيَةُ فِي الْبَيْتُوتَةِ عِنْدَهَا لِلصُّحْبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى النَّشَاطِ وَلَا يُقْدَرُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ، فَهُوَ نَظِيرُ الْمَحَبَّةِ فِي الْقَلْبِ.
وَرُوِيَ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ الْحَكَمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ دَخَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute