مَمْلُوكًا لَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ. فَإِذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ هَذَا مِنْ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَعْرِفُ غَيْرَهُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ مَا شَهِدَ بِهِ مِنْ نَفْيِ الدَّيْنِ عَنْ ذِمَّتِهِ، وَكَذَلِكَ كُلّ شَهَادَةٌ هَكَذَا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ، وَإِنْ فُلَانًا لَمْ يَصْنَعْ كَذَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ مَكَانَ كَذَا، وَإِنْ كَانَ بِمَكَانِ كَذَا فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُجَازِفٌ فِي شَهَادَتِهِ إذْ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حَقِيقَةً. فَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ أَنَّ الشَّاهِدَ كَاذِبٌ أَوْ مُجَازِفٌ فِي شَهَادَتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ يَوْمئِذٍ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَهَذَا نَفْيٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ إنَّهُ كَانَ يَوْمئِذٍ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ هُوَ إثْبَاتُ كَوْنِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ نَفْيُ كَوْنِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُدَّعِي يَوْمئِذٍ وَالْمُعْتَبَرُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، أَوْ مِنْ التَّهَاتُرِ أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى حَقٍّ فَيُقْضَى لَهُ بِهِ فَيَقُولُ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنَا أُقِيمُ بَيِّنَةً أَنَّهُ لِي فَهَذَا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ لِإِبْطَالِ قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَدَعْوَاهُ ذَلِكَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ فَكَيْفَ تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً لَهُ عِنْدَ الْقَضَاءِ يَمْتَنِعُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ لِلْمُدَّعِي فَلَأَنْ لَا يَبْطُلَ الْقَضَاءُ بِهَا أَوْلَى.
(قَالَ) وَلَوْ قَبِلْت مِثْلَ هَذَا لَقَبِلْت مِنْ الْآخَرِ مِثْلَهَا فَيُؤَدِّي إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِ الْحُدُودِ إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شُهُودِ الزِّنَا أَنَّهُمْ الْتَزَمَاهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهَا ثَمَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الشَّهَادَةِ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ، وَإِنَّ الْمَيِّتَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانِ ابْنِ عَمِّهِ وَوَرَثَتُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَلِفُلَانٍ ذَلِكَ الْمَيِّتِ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَهُوَ مُقِرٌّ أَنَّهَا لَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا فَأَنَا أُجِيزُ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ عَلَى النَّسَبِ وَأَدْفَعُ إلَيْهِ الدَّارَ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَذْكُرُوا أَبَاهُ اسْتِحْسَانًا) وَهَذِهِ فُصُولٌ أَرْبَعَةٌ النَّسَبُ وَالنِّكَاحُ وَالْقَضَاءُ وَالْمَوْتُ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بِالتَّسَامُعِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِعِلْمٍ، وَإِنَّمَا يَسْتَفِيدُ الْعِلْمَ بِمُعَايَنَةِ السَّبَبِ، أَوْ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ. فَأَمَّا بِالتَّسَامُعِ لَا يَسْتَفِيدُ الْعِلْمَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] وَحُكْمُ الْمَالِ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ النِّكَاحِ. فَإِذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمَالِ بِالتَّسَامُعِ لَا تَجُوزُ فَفِي النِّكَاحِ أَوْلَى، وَفِي التَّسَامُعِ الْقَاضِي وَالشَّاهِدُ سَوَاءٌ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالتَّسَامُعِ. فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا جَوَازَ الشَّهَادَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute