للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَفْهَمُونَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ إلَّا الزِّنَا فَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَلْحَقُ الْمَقْذُوفَ الشَّيْنُ فَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ لِدَفْعِ الشَّيْنِ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْجَبَلَ كَانَ قَاذِفًا مُلْتَزِمًا لِلْحَدِّ بِأَنْ قَالَ زَنَأْت فَلَا يَتَغَيَّرُ بِذِكْرِ الْجَبَلِ، كَمَا لَوْ قَالَ: زَنَيْت لَا يَفْصِل بَيْنَ قَوْلِهِ زَنَيْت فِي الْجَبَلِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِدُونِ ذِكْرِ الْجَبَلِ

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: زَنَأْت فِي الْجَبَلِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: أَهْلُ اللُّغَةِ إذَا اسْتَعْمَلُوا الْكَلِمَةَ لِمَعْنَى الصُّعُودِ يَصِلُونَ بِهِ حَرْفَ فِي لَا حَرْفَ عَلَى، وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا إذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ بِهَذَا اللَّفْظِ لُغَوِيًّا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ هُوَ يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصُّعُودَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللُّغَوِيِّ وَبَيْنَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي عَادَةِ الْعَوَامّ مِنْ النَّاسِ، وَهُوَ الْقَذْفُ بِالزِّنَا

(قَالَ) وَإِذَا زَنَى الْمَقْذُوفُ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ أَوْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ، فَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ؛ لِأَنَّ إحْصَانَ الْمَقْذُوفِ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ، وَقَدْ زَالَ إحْصَانُهُ بِهَذَا الْوَطْءِ، وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَدَّ الْمَقْذُوفُ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ الْحَدُّ لِزَوَالِ إحْصَانِهِ بِالرِّدَّةِ، وَكَذَلِكَ إنْ صَارَ مَعْتُوهًا ذَاهِبَ الْعَقْلِ أَوْ أَخْرَسَ وَبَقِيَ كَذَلِكَ وَبِالْخَرَسِ لَا يَزُولُ إحْصَانُهُ وَلَكِنْ تَتَمَكَّنُ شُبْهَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا كَانَ نَاطِقًا رُبَّمَا يُصَدِّقُهُ، وَلِهَذَا شُرِطَ بَقَاءُ الْخَرَسِ حَتَّى إذَا زَالَ الْخَرَسُ وَطَالَبَ بِالْحَدِّ فَلَهُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ يَبْرَأُ

[قَذَفَ وَلَدَ مُلَاعَنَةٍ أَوْ وَلَدَ زِنًى فِي نَفْسِهِ]

(قَالَ) وَمَنْ قَذَفَ وَلَدَ مُلَاعَنَةٍ أَوْ وَلَدَ زِنًى فِي نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ عَفِيفٌ، وَإِنَّمَا الذَّنْبُ لِأَبَوَيْهِ وَفِعْلُهُمَا لَا يُسْقِطُ إحْصَانُهُ، وَإِنْ قَذَفَ أُمَّهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، أَمَّا وَلَدُ الزِّنَا فَلِأَنَّ قَاذِفَ أُمِّهِ صَادِقٌ؛ لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ، وَأَمَّا وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ، فَإِنَّ أُمَّهُ لَيْسَتْ بِمُحْصَنَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي حِجْرِهَا وَلَدٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ وَالِدٌ وَمِثْلُهُ فِي صُورَةِ الزَّانِيَاتِ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ

(قَالَ) وَإِنْ اخْتَلَفَا شَاهِدَا الْقَذْفِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي قُذِفَ بِهَا مِنْ الْفَارِسِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالنَّبَطِيَّةِ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُعْتَبَرٌ فِي الْقَذْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إلَّا بِصَرِيحِ الزِّنَا، وَعِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا فِي اللُّغَةِ يَتَمَكَّنُ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَسْت لِأَبِيك، فَقَدْ اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ الْمَشْهُودِ بِهِ

وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ أُمَّهُ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَسْلَمَا فَقَذَفَهُ إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ الدُّخُولُ بِحُكْمِ نِكَاحٍ يُتْرَكَانِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكَانِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَعَلَى قَاذِفِهِمْ الْحَدُّ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>