للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغُرَمَاءِ، وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا لِلْمَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مُكَاتِبِهِ إلَّا مِثْلَ مَا يَجُوزُ لَهُ مَعَ مُكَاتِبِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتِبَ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ، وَقَدْ صَارَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ كَالْحُرِّ يَدًا، وَتَصَرُّفًا فِي كَسْبِهِ، فَيَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ مَوْلَاهُ كَمَا يَجْرِي بَيْنَهُ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ الْوَالِدَانِ، وَالْوَلَدُ، وَالزَّوْجَانِ، وَالْقَرَابَةُ، وَشَرِيكُ الْعَنَانِ فِيمَا لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا، وَالْوَصِيُّ فِي الرِّبَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجَانِبِ؛ لِأَنَّ الْمُبَايَعَةَ تَتَحَقَّقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ، وَالْمَمَالِيكُ بِمَنْزِلَةِ الْأَحْرَارِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ كَمَا يُخَاطَبُ الْأَحْرَارُ، فَأَمَّا الْمُتَفَاوِضَانِ، إذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ؛ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُمَا بَيْعًا، وَهُوَ مَالُهُمَا كَمَا كَانَ قَبْلَ هَذَا الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي التِّجَارَةِ، كَمَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا لَا يَكُونُ بَيْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الصَّرْفِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا تَصَارَفَ الْوَكِيلَانِ لَمْ يَنْبَغِ لَهُمَا أَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَتَقَابَضَا كَمَا لَوْ بَاشَرَا الْعَقْدَ لِأَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ مُبَاشَرَتُهُ لِغَيْرِهِ، وَمُبَاشَرَتُهُ لِنَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَضُرُّهُمَا غَيْبَةُ الْمُوَكِّلِينَ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ. وَإِنْ، وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ بِالصَّرْفِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِمَا مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْي، وَرَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الْمُثَنَّى، فَإِنْ عَقَدَا جَمِيعًا، ثُمَّ ذَهَبَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَتْ حِصَّتُهُ، وَحِصَّةُ الْبَاقِي جَائِزَةٌ كَمَا لَوْ بَاشَرَا الْعَقْدَ لِأَنْفُسِهِمَا.

وَإِنْ، وَكَّلَا جَمِيعًا رَبَّ الْمَالِ بِالْقَبْضِ، أَوْ الْأَدَاءِ، وَذَهَبَا بَطَلَ الصَّرْفُ؛ لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ قَبْلَ التَّقَابُضِ، وَرَبُّ الْمَالِ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ.

وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي أَنْ يَصْرِفَ لَهُ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ فَصَرَفَهَا، وَتَقَابَضَا، وَأَقَرَّ الَّذِي قَبَضَ الدَّرَاهِمَ بِالِاسْتِيفَاءِ، ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا زَائِفًا فَقَبِلَهُ الْوَكِيلُ، وَأَقَرَّ أَنَّهُ مِنْ دَرَاهِمِهِ، وَجَحَدَهُ الْمُوَكِّلُ، فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لِلْقَابِضِ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الزِّيَافَةِ بَعْدَ مَا أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ عَلَى الْوَكِيلِ بِإِقْرَارِهِ، وَإِقْرَارُهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ فَلِهَذَا كَانَ لَازِمًا لِلْوَكِيلِ، قَالَ: وَإِنْ رَدَّهُ الْقَاضِي عَلَى الْوَكِيلِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِأَدَاءِ يَمِينٍ، وَلَمْ يَكُنْ الْقَابِضُ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ لَزِمَ الْآمِرَ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ، فَإِنَّ الْقَابِضَ إذَا لَمْ يُقِرَّ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، وَلَا بِاسْتِيفَاءِ الْجِيَادِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِي، أَنَّهُ زُيُوفٌ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ قَبْضَ حَقِّهِ، وَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْوَكِيلِ الَّذِي عَاقَدَهُ إنَّمَا الْيَمِينُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ مَنْ جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ شَرْعًا، يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ إذَا حَلَفَ لَا إذَا أَتَى الْيَمِينَ فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مُخْتَلٌّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>