للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُبْرِئَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَلَا يُعْرَفُ مَنْ هَذَا الْقَائِلُ، وَلَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَالُ دُونَ النَّفْسِ وَبَعْدَ مَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَتَمَكَّنَ الطَّالِبُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَالِ مِنْ الْكَفِيلِ لَا تَبْقَى الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِي مَعْنَى تَوْقِيتِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي حَصَلَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ فِيهِ فَشَرَطَ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ، فَلَا تَبْقَى الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِهَا ثُمَّ الْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُضَمِّنَّهُ الْمَالَ وَالنَّفْسَ عَلَى أَنَّهُ إنْ وَافَاهُ بِنَفْسِهِ لِوَقْتِ كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِهِ بِهِ لِذَلِكَ الْأَجَلِ فَالنَّفْسُ وَالْمَالُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ لَهُ كَفَالَةً مُطْلَقَةً.

[مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ]

(مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ) قَالَ: وَإِذَا خَافَ الْوَصِيُّ جَهْلَ بَعْضِ الْقُضَاةِ فِي أَنْ يَسْأَلَهُ عَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ ثُمَّ يَسْأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا أَنْفَقَ وَعَمِلَ، وَإِنَّمَا سَمَّى هَذَا جَهْلًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ حُكْمِ الشَّرْعِ فَالْوَصِيُّ أَمِينٌ، وَالْقَوْلُ فِي الْمُحْتَمَلِ قَوْلُ الْأَمِينِ، وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي قَبُولِ الْوِصَايَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَكَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُوصِيَ عَمَّا تَرَكَهُ مِنْ الْمَالِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ الْوَصِيَّ عَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الْقُضَاةِ كَانَ جَهْلًا، وَلَكِنْ رَأَى بَعْضُ الْقُضَاةِ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَيَعُدُّوهُ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فَبَيَّنَ الْحِيلَةَ لِلْوَصِيِّ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ فِي قَبْضِ التَّرِكَةِ وَبَيْعِهَا وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَشْهَدُ الْوَصِيُّ عَلَى نَفْسِهِ بِوُصُولِ شَيْءٍ إلَيْهِ وَلَا يُبَاشِرُهَا بِنَفْسِهِ بَلْ يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِالْبَيْعِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ وَلَا عَمِلَ فِي التَّرِكَةِ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ مَا قَضَيْت دَيْنًا وَلَا وَصَلَ إلَيْك تَرِكَةٌ وَلَا أَمَرْت بِشَيْءٍ مِنْهَا يُبَاعُ وَلَا وَكَّلْت بِهِ، فَإِذَا كَانَ الْوَصِيُّ، وَضَعَ التَّرِكَةَ مَوَاضِعَهَا عَلَى حُقُوقِهَا فَهُوَ مَظْلُومٌ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ فَيَسَعُهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَنْوِيَ غَيْرَ مَا اسْتَحْلَفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَظْلُومًا فَيَمِينُهُ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا لِيَتَمَكَّنَ بِهَا مِنْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَوَسَّعَ فِي كِتَابِهِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَقَالَ: يَنْوِي مَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي وَقْتِ كَذَا لِوَقْتٍ غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ أَوْ فِي مَكَانِ كَذَا لِمَكَانٍ غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ أَوْ مَعَ إنْسَانٍ غَيْرِ الَّذِي عَامَلَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ فِيمَا ثَبَتَ بِمُقْتَضَى الْكَلَامِ صَحِيحَةٌ كَمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ فَإِنَّ الْمُقْتَضِي عِنْدَهُ كَالْمَنْصُوصِ فِي أَنَّ لَهُ عُمُومًا فَتَجُوزُ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيهِ، وَكَانَ يَسْتَدِلُّ عَلَى ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ الْمُسَاكَنَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا، وَهُوَ يَنْوِي مُسَاكَنَتَهُ فِي بَيْتِهِ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ، وَالْمَكَانُ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ فَصَحَّتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيهِ.

وَقَالَ فِي الْجَامِعِ: إذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ وَنَوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>