للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ إلَّا مَعَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ هُوَ مُتَوَطِّنًا بِمَكَّةَ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ، وَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ خُرُوجِ قَافِلَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُنْفِقُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدَ الْمَقَامِ أَنْ يَرْجِعَ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ اسْتَحَقَّ نَفَقَةَ الرُّجُوعِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُنْفِقُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِتَأْخِيرِ الرُّجُوعِ.

فَإِذَا أَخَذَ فِي الرُّجُوعِ عَادَتْ نَفَقَةُ الرُّجُوعِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَهُوَ نَظِيرُ النَّاشِزَةِ إذَا عَادَتْ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ إذَا أَقَامَ فِي بَلْدَتِهِ أَوْ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَنَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِحَاجَةِ نَفْسِهِ لَمْ يُنْفِقْ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنْ خَرَجَ مُسَافِرًا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ النَّفَقَةُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: لَا تَعُودُ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَسْتَوْجِبَ نَفَقَةَ الرُّجُوعِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمَيِّتِ، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ وَقُلْنَا أَصْلُ سَفَرِهِ كَانَ لِعَمَلِ الْمَيِّتِ فَمَا بَقِيَ ذَلِكَ السَّفَرُ تَبْقَى نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَبِالْوُصُولِ لَمْ يَبْقَ ذَلِكَ السَّفَرُ، ثُمَّ هُوَ أَنْشَأَ سَفَرًا بَعْدَ ذَلِكَ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ لِهَذَا السَّفَرِ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ بِزَمَانٍ كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ فِي الْإِنْفَاقِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا قَدِمَ فِي الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَى أَنْ تَدْخُلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ، ثُمَّ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ قُدُومَ قَوَافِلِ مَكَّةَ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ، وَلَكِنَّهُ فِي الْأَيَّامِ الْعَشْرِ مُوَافِقٌ لِمَا هُوَ الْعَادَةُ. فَأَمَّا قُدُومُهُ قَبْلَ أَيَّامِ الْعَشْرِ مُخَالِفٌ لِمَا هُوَ الْعَادَةُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْإِقَامَةِ لَيْسَ يَعْمَلُ لِلْمَيِّتِ شَيْئًا فَلِهَذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ

[أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَلَغَتْ حِجَجًا]

(قَالَ): فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَلَغَتْ حِجَجًا فَالْوَصِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ كُلَّ سَنَةٍ حَجَّةً وَإِنْ شَاءَ أَحَجَّ عَنْهُ رِجَالًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْحَجِّ بِمَالٍ مُقَدَّرٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالتَّصَدُّقِ بِمَالٍ مُقَدَّرٍ، وَفِي ذَلِكَ الْوَصِيُّ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوصَى وَأَبْعَدُ عَنْ فَوَاتِ مَقْصُودِهِ بِهَلَاكِ الْمَالِ

(قَالَ): وَإِذَا حَجَّ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ وَلَوْ عَشْرَ حِجَجٍ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ إذَا عَتَقَ وَأَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ وَلَوْ عَشْرَ حِجَجٍ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ إذَا بَلَغَ وَأَيُّمَا أَعْرَابِيٍّ حَجَّ وَلَوْ عَشْرَ حِجَجٍ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ إذَا هَاجَرَ»، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا حِينَ كَانَتْ الْهِجْرَةُ فَرِيضَةً وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْعِتْقَ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>