[بَابُ نِكَاحِ الْبِكْرِ]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ، وَهِيَ بِكْرٌ فَبَلَغَهَا فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضَاهَا، وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ عَلَيْهَا وَإِذَا أَبَتْ وَرَدَّتْ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ الْعَقْدُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - احْتَجَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ» فَتَخْصِيصُ الثَّيِّبِ بِالذِّكْرِ عِنْدَ نَفْيِ وِلَايَةِ الِاسْتِبْدَادِ لِلْوَلِيِّ بِالتَّصَرُّفِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَبِدُّ بِتَزْوِيجِ الْبِكْرِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ بِكْرٌ فَيَمْلِكُ أَبُوهَا تَزْوِيجَهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً.
وَهَذَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ بِالْبُلُوغِ لَا يَحْدُثُ لَهَا رَأْيٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ التَّجْرِبَةُ فَكَأَنَّ بُلُوغَهَا مَعَ صِفَةِ الْبَكَارَةِ كَبُلُوغِهَا مَجْنُونَةً بِخِلَافِ الْمَالِ وَالْغُلَامِ، فَإِنَّ الرَّأْيَ هُنَاكَ يَحْدُثُ بِالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَقْبِضَ صَدَاقَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَإِذَا جُعِلَ فِي حَقِّ قَبْضِ الصَّدَاقِ كَأَنَّهَا صَغِيرَةٌ حَتَّى يَسْتَبِدَّ الْأَبُ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا فَكَذَا فِي تَزْوِيجِهَا.
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ نِكَاحَ بِكْرٍ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ «فِي الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا وَلِيُّهَا: فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ وَإِنْ أَبَتْ لَمْ تُكْرَهْ» وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْخَنْسَاءِ «فَإِنَّهَا جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي مِنْ ابْنِ أَخِيهِ وَأَنَا لِذَلِكَ كَارِهَةٌ فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجِيزِي مَا صَنَعَ أَبُوك فَقَالَتْ مَا لِي رَغْبَةٌ فِيمَا صَنَعَ أَبِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبِي فَلَا نِكَاحَ لَك انْكِحِي مَنْ شِئْت فَقَالَتْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنِّي أَرَدْت أَنْ يَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنْ أُمُورِ بَنَاتِهِمْ شَيْءٌ»، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقَالَتَهَا، وَلَمْ يَسْتَفْسِرْ أَنَّهَا بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ فَدَلَّ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ، وَفِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ: «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا وَسُكُوتُهَا رِضَاهَا».
فَدَلَّ أَنَّ أَصْلَ الرِّضَا مِنْهَا مُعْتَبَرٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَعْمَلُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي حَقِّ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute