للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّهُ إذَا رَاجَعَهَا وَلَمْ يُعْلِمْهَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الرَّجْعَةِ فِي حَقِّهَا مَا لَمْ تَعْلَمْ حَتَّى إذَا اعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي لَمْ يَبْقَ لِلْأَوَّلِ عَلَيْهَا سَبِيلٌ لَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مُرَاجَعَتَهُ إيَّاهَا صَحِيحٌ بِغَيْرِ عِلْمِهَا، وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَبِدُّ بِالرَّجْعَةِ كَمَا يَسْتَبِدُّ بِالطَّلَاقِ فَكَمَا يَصِحُّ إيقَاعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ فَكَذَلِكَ رَجْعَتُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ أَحَقَّ إذَا كَانَ يَسْتَبِدُّ بِهِ. وَالرَّجْعَةُ إمْسَاكٌ بِالنَّصِّ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٢٩] وَالْمَالِكُ يَنْفَرِدُ بِإِمْسَاكِ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى عِلْمِ غَيْرِهِ.

قَالَ: (وَإِذَا فُقِدَ الرَّجُلُ فَارْتَفَعَ، وَرَثَتُهُ إلَى الْقَاضِي وَأَقَرُّوا أَنَّهُ فُقِدَ، وَسَأَلُوا قِسْمَةَ مَالِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْسِمُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَوْتِهِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَمَالُ الْحَيِّ لَا يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، فَمَا لَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يُشْتَغَلُ بِقِسْمَةِ مَالِهِ (فَإِنْ قِيلَ:) كَيْفَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لِلْقَضَاءِ بِهَا عَلَى الْغَائِبِ (قُلْنَا:) بِأَنْ يَجْعَلَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ خَصْمًا عَنْهُ أَوْ يُنَصِّبَ عَنْهُ قَيِّمًا فِي هَذِهِ الْوِلَايَةِ، وَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ يُنَصِّبُهُ الْقَاضِي فِيمَا قَضَى بِمَوْتِهِ.

(فَإِنْ قِيلَ:) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَهُ مَيِّتًا حُكْمًا لِانْقِطَاعِ خَبَرِهِ فَيُقْسِمُ مَالَهُ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَوْتِهِ كَالْمُرْتَدِّ اللَّاحِقِ بِدَارِ الْحَرْبِ. (قُلْنَا:) هُنَاكَ ظَهَرَ دَلِيلُ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ صَارَ حَرْبِيًّا، وَأَهْلُ الْحَرْبِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْمَيِّتِ، وَلَمْ يَظْهَرْ هُنَا دَلِيلٌ مُوجِبٌ لِمَوْتِهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، وَلِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ ظَفِرَ بِهِ الْإِمَامُ مَوَّتَهُ حَقِيقَةً بِأَنْ يَقْتُلَهُ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ بِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ مَوَّتَهُ حُكْمًا فَقَسَمَ مَالَهُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ الْمَعْنَى هُنَا قَالَ: (وَتَفْسِيرُ الْمَفْقُودِ الرَّجُلُ يَخْرُجُ فِي سَفَرٍ وَلَا يُعْرَف مَوْتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ وَلَا مَوْضِعُهُ، وَلَا يَأْسِرُهُ الْعَدُوُّ، وَلَا يَسْتَبِينُ مَوْتُهُ وَلَا قَتْلُهُ) فَهَذَا مَفْقُودٌ لَا يَقْضِي الْقَاضِي فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ مَاتَ أَوْ قُتِلَ.

[مَنْ كَانَ مِنْ وَرَثَةِ الْمَفْقُودِ غَنِيًّا]

وَمَنْ كَانَ مِنْ وَرَثَةِ الْمَفْقُودِ غَنِيًّا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي مَالِهِ مَا خَلَا الزَّوْجَةَ لِأَنَّ حَيَاتَهُ مَعْلُومٌ، وَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْحَيِّ سِوَى الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزَّوْجَةِ بِالْعَقْدِ، فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْعُسْرَةِ أَوْ بِكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً بِحَقِّهِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْمَفْقُودِ، فَأَمَّا اسْتِحْقَاقُ مَنْ سِوَاهَا فَبِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِغِنَى الْمُسْتَحِقِّ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ غَلَّةٌ جَعَلَ الْقَاضِي فِيهَا مَنْ يَحْفَظُهَا؛ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَالْمَفْقُودُ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ فَيُنَصِّبُ الْقَاضِي فِي غَلَّاتِهِ مَنْ يَجْمَعُهَا، وَيَحْفَظُهَا عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ مِنْ مَتَاعِهِ، فَإِنَّ الْقَاضِي يَبِيعُهُ؛ لِأَنَّ حِفْظَ عَيْنِهِ عَلَيْهِ مُتَعَذِّرٌ فَيَصِيرُ إلَى حِفْظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>